أخبار وتقارير

القرار الأمريكي.. رهينة اللوبي الصهيوني (3)

القرار الأمريكي.. رهينة اللوبي الصهيوني (3)

علي الشراعي

يخلص (بول فندلي) إلى القول: "إن كل من يُقدم على انتقاد سياسة إسرائيل يجد نفسه عرضة لأعمال انتقامية شديدة ودائمة, بل وقد يفقد مصدر عيشه نتيجة ضغوط قوى النفوذ الإسرائيلية.

فالرئيس يشعر بالخوف منها. والكونجرس يستجيب لكل مطالبها. بل وتحرص أعرق الجامعات على ألا يكون في مناهجها التعليمية ما قد يثير حفيظة تلك القوى, بينما تنقاد وسائل الإعلام الضخمة والقيادات العسكرية لما تمارسه من ضغوط".

فيما يكشف (إدوار سعيد) وهو مفكر فلسطيني قضى معظم حياته في الولايات المتحدة ناضل بمقالاته وكتبه الكثيرة لأجل القضية الفلسطينية وفضح الكيان الصهيوني, ومن أشهر كتبه كتاب (الاستشراق) إلى حقيقة: "إن من يرسم المسار الاستراتيجي لأغنى مؤسسة عسكرية في التاريخ تغدق عليها الهبات هي مجموعات ضغط بناء على أساس إيديولوجي مثل القادة المسيحيين المتعصبين, ومؤسسات خاصة ولوبيات مثل: الإيباك, واللجنة العامة للشؤون الأمريكية- الصهيونية؟.

حليف مهم
مع تولي الرئيس الأمريكي (رونالد ريجان, 1981- 1989م) الرئاسة ولديه تصور مختلف تماما عن الكيان الصهيوني وأهميته فقد تعدى خطاب حملته الانتخابية المتعلق بالكيان الصهيوني تعهدات الصداقة المعتادة حيث أشار إلى دعم قوى ودائم للكيان الصهيوني ورؤيته الخاصة بالصراع العربي- الصهيوني. وكان يرى أن الكيان الصهيوني حليف مهم وأصل من أصول الكفاح ضد الاتحاد السوفيتي. كما كان معارضا للتعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية إلى أن تغير المنظمة سياستها تغييرا كبيرا بنبذها لنضالها المسلح بما اسماه (الارهاب), وقبولها قرار مجلس الأمن رقم242, والاعتراف بحق الكيان الصهيوني في الوجود. وهو ما فعلته في النهاية منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1988م. وايضا خلال الفترة الثانية من رئاسة ريجان ركز على عملية السلام وأصبح مفهوم مؤتمر السلام الدولي أكثر أهمية خلال عام 1987م, وإن لم يتحقق تقدم كبير في اتجاه عقد المؤتمر. كما وافقت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني على شرطين مسبقين للمشاركة السوفيتية, وهما تنظيم الهجرة اليهودية السوفيتية, وعودة العلاقات بين السوفيت والكيان الصهيوني التي كانت قد قطعت إبان حرب حزيران 1967م.

سفينة ليبرتي
من خلال حادثة ضرب السفينة ليبرتي وقضية بولارد لا ندرك فقط قوة النفوذ لضغط الصهيوني على القرار الأمريكي السياسي والاقتصادي بل على قدرته على الحاق اكبر الضرر بأمريكا وبمصالحها ويتعدى إلى قتل ضباط وجنود امريكيين واختراقها أمنيا واستخباراتيا وفي ظل تكتم الاجهزة السياسية والأمنية عن حقيقة ذلك خوفا على مناصبهم وخسران الصوت الانتخابي اليهودي, وأيضا عدم إظهار الحقيقة للشعب الأمريكي. ومن تلك سفينة ليبرتي في 8يونيو 1967م, وخلال العدوان الصهيوني على مصر وسوريا بما عرف بنكسة 5حزيران 1967م, قامت القوات الجوية والبحرية الصهيونية بقصف الباخرة الأمريكية (ليبرتي) التي كانت مزودة بأجهزة استطلاع متقدمة, وذلك لمنعها من كشف الخطط الصهيونية لغزو الجولان. وقد ظلت الطائرات الصهيونية تحلق فوق الباخرة طيلة ست ساعات, بينما استمر قصفها على مدى 70دقيقة مما أسفر عن مصرع 34بحارا وإصابة 171 آخرين, وفي أعقاب ذلك تذرعت الحكومة الصهيونية بأن ما حدث كان مجرد (خطأ), وتوقفت التحقيقات في الأمر عند ذلك الحد حتى عام 1980م, عندما أستطاع أحد الشهود وهو الضابط (إنيس) الذي كان ضمن طاقم الباخرة, أن يميط اللثام عن حقيقة الحادث, مما يهدم الرواية الرسمية عن ذلك الخطأ, والتي أكدتها آنذاك لجنة التحقيق برئاسة الأدميرال (إيزاك كيد) حيث أثبت الضابط إنيس أن الهجوم كان متعمدا وأنه بمثابة عملية قتل. وقد تعرض كتابه الذي نشره عن الحادث لحصار خانق من قوى الضغط الصهيونية, بينما أوضح الأدميرال (توماس مورر) أن السبب في السكوت على هذه الجريمة هو أن الرئيس (جونسون) كان يخشى ردود أفعال الناخبين اليهود..) ويضيف قائلا: "لو كان الشعب الأمريكي قد عرف حقيقة ما حدث لجن جنونه".

قضية بولارد
في نوفمبر من عام 1985م, ألقي القبض على (جوناثان جاى بولارد) محلل معلومات استخباراتية بالبحرية الأمريكية وهو صهيوني امريكي متشدد بتهمة التجسس , بينما كان ينقل بعض الوثائق السرية إلى منزله. وعند استجوابه من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي, اعترف بأنه حصل على 50ألف دولار منذ عام 1984م, نظير إرسال تلك الوثائق إلى الكيان الصهيوني أدين بولارد في يونيو من عام 1986م أنكر الكيان الصهيوني- كعادته -علم كبار مسؤوليها بأية أنشطة تجسس على الولايات المتحدة أو موافقتهم عليها. لكن اعتذار شيمون بيرس ووعد بإجراء تحقيق شامل يؤكد ما يمتلكه اللوبي الصهيوني من نفوذ ليس على القرار السياسي الامريكي بل في التجسس على أدق التفاصيل المتعلقة بأمريكا استخباراتيا فقد أصبحت مسألة (بولارد) قضية بارزة. ورغم استحواذ هذه الكارثة الاستخباراتية على العناوين الرئيسية للصحف في امريكا والكيان الصهيوني وكانت لها تداعيات قصيرة المدى. فقد كان أثرها الملموس والمستمر على العلاقات بصورة عامة ليس بالكبير. ولهذا لم تأت قضية بولارد من فراغ فهي جزء لا يتجزأ من النظام المختل للعلاقات الأمريكية- الصهيونية, والتي تتسم بتبعية مفرطة تؤدي بدورها إلى الاضرار بمصالح أمريكا داخليا وخارجيا. بالإضافة إلى أشياء أخرى تؤكد مدى تأثير اللوبي الصهيوني ليس على القرار السياسي والشؤون الامريكية الخارجية فحسب. بل على المشاركة الصهيونية الفعالة في تخطيط بعض عمليات مجلس الأمن القومي الأمريكي وتنفيذها. وبات يشيد بالمستوى الرفيع من التعاون الاستراتيجي بين امريكا والكيان الصهيوني في عهد إدارة الرئيس ريجان.

الانتفاضة الفلسطينية
مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في ديسمبر 1987م, واستمرار الكيان الصهيوني استخدام الارهاب والقتل الممنهج بحق الفلسطينيين. وبحلول 1988م, ومع تزايد الإرهاب الصهيوني ضد قمع الانتفاضة الفلسطينية وإبعاد بعض المدنيين الفلسطينيين. ومن جانب آخر تميزت البيئة الدولية كذلك بتحولات كبيرة وعودة الاتحاد السوفيتي إلى الشرق الأوسط وسيطا للسلام, فدخول الاتحاد السوفيتي المنطقة العربية من جديد مقرونا بالاهتمام الإعلامي الذي أعطى للانتفاضة الفلسطينية والاستنكار العام الناتج عن ذلك تأييدا للفلسطينيين صدر قرار الأمم المتحدة يدعو فيه الكيان الصهيوني إلى الامتناع عن تلك الأساليب والإجراءات. ورغم تصويت وتأييد واشنطن للقرار. لكن الخارجية الأمريكية قللت من أهمية ذلك التصويت في الأمم المتحدة, حيث وصفته بأن اختلاف بين الاصدقاء لا يؤثر على العلاقة الأكثر اتساعا. فقد كانت تلك المرة الأولى منذ عام 1981م, التي تصوت فيها الولايات المتحدة لمصلحة قرار ينتقد الكيان الصهيوني. مع إشارة (شولتز) وزير الخارجية الأمريكية إلى التأييد الأمريكي للكيان الصهيوني على أنه لا يتزعزع. إلا أنه مع استمرار المظاهرات الفلسطينية. قدمت واشنطن مبادرة شولتز سعيا للتوصل إلى اتفاق, فقد استمرت التوترات والمظاهرات في التزايد. فالمبادرة باسم وزير الخارجية الأمريكية (جورج شولتز), وهدفها إحياء محادثات السلام العربية- الصهيونية. وطبقا لمبادرة شولتز كذلك سوف يجرى بحث الحقوق المشروعة للفلسطينيين وليس الحقوق القومية. ولأنه لن يكون هناك دور مباشر لمنظمة التحرير الفلسطينية (فتح) في عملية السلام, فسوف تُربط المشاركة الفلسطينية ربطا حصريا بمشاركة الأردن- فمبادرة شولتز تلغي قيام دولة فلسطينية وفقا لقرار الامم المتحدة 181 الصادر عام 1947م, واعتبارها مشكلة تتعلق بجانب إنساني للاجئين الفلسطينيين!–

شريك في الارهاب
وفي إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى ديسمبر 1987م, طبقت القوات الصهيونية عليها كل وسائل العنف والإرهاب, ففي 5فبراير 1988م, تورط الجيش الصهيوني بأبشع الجرائم, حيث أجبر الجنود الصهاينة أربعة شبان من قرية سالم في فلسطين أن يستلقوا على الأرض ثم أمروا سائق جرافة أن يطمرهم بالتراب ليدفنوا أحياء. وفي بلدة العبيدية أقدم جنود صهاينة على إحراق شاب فلسطيني بإلقائه داخل الفرن الذي يعمل به خبازا وبعد أن احترق جسمه ألقوه في حوض ماء بارد. وكم فعلوا من أعمال منكرة ومذابح جماعية وحوادث اغتصاب وتكسير عظام, يندى لها الجبين لما فيها من الخزي والعار الذي يلطخ وجه الصهيونية إلى الأبد. إنهم يقومون بحرب سرية وعلنية ضد أهل البلاد بواسطة عناصر معبأة ومدربة لهذا الغرض, بإتباعهم سياسة القتل والإبادة والتشريد, وتفريغ الأرض من أهلها, وهذه عقائد صهيونية يؤمن بها حاخامات اليهود, ورجال الحكم فيها, ويعملون من أجلها, إلا أن العاقلين منهم يعدون أن مسؤولية الإرهاب تقع على عاتق المسؤولين عن الإرهابيين وهم الأمريكان. وفي ذلك يقول (يهوذا ماغنز) رئيس الجامعة العبرية بالقدس: "من السهل جدا رفع الأصوات بإعلان أن اليهود الإرهابيين هم وحدهم المسؤولون عن الجرائم الوحشية التي حدثت في الأرض المقدسة.. ولكن من المسؤول عن الإرهابيين؟ إن كل واحد منا اليهود يحمل شيئا من المسؤولية. ولكن الوزر الأكبر يقع على عاتق الأمريكيين الذين ساندوا هؤلاء الإرهابيين, ومن بينهم فريق من الشيوخ, وأعضاء الكونغرس ورجال الصحافة ودور النشر والكتاب وكبار الأغنياء من اليهود الذين ساعدوا الحركة ماديا ومعنويا".

نفوذ مطلق
شهد عهد الرئيس الأمريكي (ريجان) نفوذا قويا ومطلقا للوبي الصهيوني وتحكمه بالقرار الامريكي سياسيا واقتصاديا وعسكريا وإعلاميا. فقد مرت العلاقة بين أمريكا والكيان الصهيوني بتحول كبير فقد كان ريجان ينظر إلى الكيان الصهيوني على أنه أصل استراتيجي, إلا أنه كانت هناك قضايا أخرى منها ترتيب التجارة الحرة, وتبادل المعلومات الاستخباراتية, والمجموعات المشتركة رفيعة المستوى الخاصة بالقضايا السياسية العسكرية وما يتصل بها. كذلك الاتصال الأكثر واقعية للعلاقة بينهم . وكانت رئاسة ريجان فترة غير مسبوقة من نمو العلاقات الاقتصادية والمساعدات العسكرية التي بلغت 3مليارات دولار في السنة , وكان جزء كبير منها منحا لا ترد, وساعدت المنح الخاصة الكيان الصهيوني على التعامل مع مشاكل اقتصادية بعينها. وبلغ التعاون الاستراتيجي مستويات جديدة في عهد ريجان. ففي الحادي عشر من أبريل عام 1988م (وهو الذكرى الأربعون لاستقلال الكيان الصهيوني حسب التقويم اليهودي) وقعت مذكرة واشنطن مع الكيان الصهيوني مذكرة اتفاق أسست العلاقة الاستراتيجية الناشئة. وشملت الصلات المتنامية في المجال العسكري التدريبات العسكرية المشتركة, وبيع وشراء المعدات والتدريب وما يتصل بذلك من أنشطة. بل وفي عهد الرئيس ريجان أكتسب الكيان الصهيوني وضع الحليف الأساسي من غير أعضاء حلف الناتو.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا