القرار الأمريكي.. رهينة اللوبي الصهيوني (5)
في يناير 2002م, منحت جامعة تل ابيب (يافا) درجة الدكتوراه الفخرية للرئيس الأمريكي بيل كلينتون, حيث امتدحت جهوده والتزامه الذي لا يتزعزع بضمان السلام والأمن لإسرائيل, وعواطفه الصادقة تجاه إسرائيل وشعبها الذي يقدره زعيماً عظيماً وسياسياً لامعاً وصديقاً محبوباً.
علي الشراعي
دعم الكونجرس
مع نجاح بنيامين نتنياهو ضد شيمون بيرس- وزير خارجية رابين- في أول انتخابات لرئيس الوزراء الصهيوني في ربيع 1996م, كانت إدارة الرئيس كلينتون تفضل بوضوح أن يخلف بيرس رابين وليس نتنياهو، ومع ذلك ورغم النتيجة دامت العلاقة واستمرت الولايات المتحدة في تأييدها لأمن الكيان الصهيوني وسعيها لإحلال السلام، ومع أنه لم يكن هناك تقارب بين كلينتون ونتنياهو، فقد كان الكثيرون من اعضاء الكونجرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون يرون انتصار نتنياهو إنجازا إيجابيا، وكانت فترة نتنياهو أشبه في بعض النواحي بفترة بيجين بعهد الرئيس كارتر من حيث العلاقة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني فيما يخص التأييد، وبحلول منتصف عام 1998م، وبسبب تعنت نتنياهو بمفاوضات السلام رغم تقديم الجانب الفلسطيني التنازلات تلو التنازلات، قدمت حكومة كلينتون إنذارا للكيان الصهيوني لكنه تجاهله حتى تلاشي ذلك الانذار من المشهد العام كما حدث من قبل، فغالبا ما لم تكن الإدارة تحظى بدعم الكونجرس، الذي بدأ أكثر تعاطفا مع أسلوب نتنياهو وموقفه من المفاوضات السلام مع الفلسطينيين، بل وقدم الكونجرس التعزيز العلني والسري للكيان الصهيوني برئاسة نتنياهو.
عكست تلك الاحداث وغيرها في فترة رئاسة كلينتون الأفكار التي ميزت علاقة كارتر وبيجن وميزت العلاقة الأكثر اتساعا بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني التي تركزت في الثبات والاستمرار في السعي لتحقيق الأمن للصهاينة، وجاء انتخاب (إيهود باراك) رئيسا لوزراء الكيان الصهيوني في مايو 1999م, إلى السلطة الذي كانت خبرته ضابطا في جيش الدفاع الصهيوني، واستؤنفت المفاوضات بين الفلسطينيين والصهاينة بعد انتخاب باراك بوقت قصير غير أنه لم يكن هناك تقدم كبير، ورغم انتقال السلطة من اللكيود إلى حزب العمل فقد واصل باراك تكتيكات التعطيل التي اتبعها سلفه وبدأ موجة جديدة من بناء المستوطنات في الضفة الغربية.
وحين دخلت إدارة كلينتون العام الأخير من ولايتها، أوحت الجهود المتسارعة باحتمال عقد قمة ثلاثية تضم كلينتون وباراك وعرفات، ولكن الشقة كانت بعيدة بين الأطراف، وكان هدف المفاوضات التي جرت في شهر يوليو من عام 2000م في كامب ديفيد- يشار إليها بكامب ديفيد الثانية- ونظرا لتملص الكيان الصهيوني دائما من الاعتراف بحق اقامة دولة فلسطينية, بل ووضع باراك شروطاً فقد رفض ياسر عرفات مقترحات باراك وغادر طاولة المفاوضات، وأوجد بذلك أساسا لانتفاضة الأقصى الثانية في سبتمبر 2000م، فقد كان يأمل عرفات على ضغط كلينتون على الكيان الصهيوني خلال المحادثات عن ضمان الافراح عن 2200 سجين فلسطيني من سجون الاحتلال وقف مصادرة الكيان المستمرة للأراضي وتدمير المساكن وبناء المستوطنات، وأصر وزير خارجية الكيان المعين حديثا أرييل شارون على مزيد من التعديلات على ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية وتقليص حجم قوات الشرطة الفلسطينية ومصادرة كل الاسلحة غير المشروعة وإلقاء القبض على من يشنون هجمات ضد الصهاينة.
الصهيونية المسيحية
هي تيار مسيحي كبير له الكثير من الاتباع والمؤسسات ومراكز النفوذ والكنائس والصحف والقنوات التليفزيونية والإذاعات والبنوك وغيرها سواء في اوروبا وأمريكا, ويعتمد هذا التيار أساسا على أتباع المذهب المسيحي البروتستانتي، وقد لعب هذا التيار دورا كبيرا في نشأة الكيان الصهيوني ودعمه حتى اليوم, وللصهيونية المسيحية نفوذ كبير داخل مؤسسة صنع القرار السياسي لأمريكا, بل إنه يلعب دورا مهما في توجيهها سواء في مجلسي النواب والكونجرس, بل إن رؤساء أمريكيين مثل ريجان كان من المنتمين إلى الصهيونية المسيحية وكذلك الرئيس الأمريكي (جورج بوش الأبن)، ويؤمن أتباع الصهيونية المسيحية أن هناك ثلاثة إشارات إلهية يجب أن تتحقق قبل أن يعود المسيح إلى الأرض وهي قيام دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات ,وامتلاك مدينة القدس, وإعادة بناء هيكل سليمان بحسب زعمهم، وقد تحققت الإشارة الأولى والثانية بقيام دولة إسرائيل عام 1948م، واحتلال القدس كاملا بعد نكسة حزيران 1967م، وبقى العمل على تحقيق الاشارة الثالثة بهدم المسجد الاقصى المبارك وبناء هيكلهم المزعوم، حيث أنه بعد تحقق تلك الإشارات فإن معركة (هرمجدون) وهي معركة يؤمن بها الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية وكان أشد ايمانا بها الرئيس الأمريكي كارتر وأنها ستقع في سهل مجدون بين القدس وعكا، وأن التنبؤ بها ورد في أسفار حزقيال ويوحنا ويوشع وهي تقول: (إن قوات الكفار- المسلمين- سوف تدمر فيها, وإن المسيح سوف يظهر فوق أرض المعركة ويرفع المؤمنين به ويخلصهم من الدمار, ومن ثم يحكم العالم مدة ألف عام حتي تقوم الساعة).
ووفقا لهذه العقيدة الصهيونية المسيحية فإنهم يعتبرون أن دعم قيام الكيان الصهيوني واجب شرعي مسيحي وكذلك دعم توسع الاستيطان والاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني, وكذلك تمويل الاستيطان اليهودي في الأرض المحتلة, بل أكثر من هذا فإن عليهم دعم المخططات الرامية إلى هدم المسجد الأقصى المبارك وإعادة بناء هيكل سليمان!
200 منظمة
مع تصاعد قوة ونفوذ الولايات المتحدة, مع زيادة وزنها الاقتصادي والسياسي والعسكري نشطت داخلها الحركة المسيحية الصهيونية ويبلغ عدد المنتمين إلى الكنائس الإنجيلية التي تعتقد بالمسيحية الصهيونية وضرورة قيام إسرائيل وبناء الهيكل تمهيدا لعودة المسيح حوالي 77 مليون أمريكي ينتمون إلى 200 طائفة, وتمتلك هذه الاتجاهات في أمريكا العديد من قنوات التلفزيون حوالي 1400 محطة تليفزيونية وإذاعة, وحوالي 4000 مقدم برامج والعديد من الصحف ووكالات الأنباء, بل ومنهم العديد من الشخصيات الأمريكية كرؤساء والعديد من أعضاء الكونجرس والنواب ودوائر النفوذ المالي والإعلامي والسياسي الأمريكي، فقد تأثر بالصهيونية المسيحية الرئيس بوش الإبن ووزير دفاعه رامسفيلد ووزير العدل أشكروفت, ويستطيع هؤلاء إقناع 77 مليون من أتباعهم بأن دعم الكيان الصهيوني واجب مسيحي, وكذلك يستطيعون إقناع عدد أكبر من غير أعضاء المسيحية الصهيونية, أي أنهم عمليا قادرون على خلق رأي عام واسع جدا في أمريكا لتأييد الكيان الصهيوني ودعمه, اضافة إلى نفوذ اللوبي الصهيوني اليهودي في الكونجرس والإعلام ودوائر المال.
فمجرد نظرة على المؤسسات التابعة للكنائس الإنجيلية التي تؤمن بالمسيحية الصهيونية يدلنا إلى أي مدى وصل نفوذهم المالي والسياسي والإعلامي في امريكا, فهناك على- سبيل المثال لا الحصر- المصرف الأمريكي المسيحي من أجل إسرائيل, مؤتمر القيادة الوطنية من أجل إسرائيل، منظمة جبل المعبد، وتبلغ هذه المنظمات في امريكا عموما حوالي 250 منظمة تدير آلاف المصارف والصحف والمؤسسات المالية والإعلامية.
التزام ديني
تبشر هذه المنظمات الصهيونية المسيحية بالعديد من المفاهيم داخل أمريكا وخارجها فهي تؤمن بأن دعم الكيان الصهيوني هو التزام ديني ثابت وليس مجرد التزام سياسي متغير ومتحرك, كما تعتبر شرعية الدولية اليهودية مستمدة من التشريع الإلهى, وبالتالي اعتبر قيام الكيان الصهيوني تحقيقا للنبوءات الدينية, وبالتالي تشتمل كل الأرض الموعودة من النيل إلى الفرات, واستمرار العمل بالشعار الذي يقول: (إن الله يبارك إسرائيل ويلعن لاعنيها)! وبالتالي فإن دعم الكيان الصهيوني طريق إلى بركة الرب, بل إنه عندما يتناقض القرار الصهيوني مع مواثيق الشرعية الدولية- الأمم المتحدة- أو القانون الدولي فإنه لا اعتبار لذلك, ويجب احترام القرار الصهيوني, لأنه تعبير عن إرادة الرب, أما القوانين الدولية فإنها تعكس إرادة الإنسان, ومن الضروري احترام إرادة الرب إذا ما تناقضت مع إرادة الإنسان!.
محطات بارزة
قبل الولوج إلى قوة النفوذ للوبي الصهيوني وهيمنته على القرار الأمريكي مع مطلع القرن الواحد والعشرين وبوصول الرئيس الأمريكي (جورج دبليو بوش, ح: الجمهوري, 2001- 2009م) إلى رئاسة البيت الأبيض، يجدر بنا أن ندرك قوة الصهيونية المسيحية، لقد لعبت الصهيونية المسيحية والصهيونية اليهودية طيلة قرنين وإلى اليوم لوبي ضغط على القرار الأمريكي سياسيا واقتصاديا وعسكريا وإعلاميا لدعم قيام الكيان الصهيوني في فلسطين ومن ابرز تلك المحطات خلال قرنين من الزمن حتى مطلع القرن الواحد والعشرين ما يلي.
1801م م الرئيس الأمريكي (جون ادامز, ح: الاتحادي, 1797- 1801م) يدعو إلى استعادة اليهود لفلسطين، وإقامة حكومة يهودية مستقلة.
1866م قيام أول بعثة مسيحية أمريكية بقيادة القس آدم للاستيطان في فلسطين مع150 قسيسا صهيونيا امريكيا.
1867م, إقامة مستوطنة أمريكية في فلسطين بمشاركة 70 شخصية دينية إنجيلية تتبع الصهيونية المسيحية.
1887م, بلاكستون يؤسس في شيكاغو منظمة (البعثة العبرية نيابة عن إسرائيل) من أجل حث اليهود على الهجرة إلى فلسطين, وهذه البعثة مستمرة حتي اليوم باسم (الزمالة الأمريكية المسيحية)، وفي عام 1888م زار بلاكستون فلسطين ورفع شعار (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض).
1918م رسالة الرئيس الأمريكي (ودور ولسون) إلى زعيم الحركة الصهيونية الحاخام ستيفن وايز بتأييد وعد بلفور، ويعلن رسميا بنفس العام التزامه بتنفيذ وعد بلفور.
1922م صدور قرار عن مجلس النواب الأمريكي بضرورة منح اليهود الفرصة التي حرموا منها لإعادة إقامة حياة يهودية وثقافية خاصة في الأرض اليهودية القديمة.
1930م, تأسيس منظمة (الاتحاد الأمريكي من أجل فلسطين) للدفاع عن قضية الوطن القومي اليهودي.
1942م, مؤتمر بلطيمور في نيويورك (لمجلس الطوارئ في المنظمة الصهيونية) المؤتمر يرفض تقسيم فلسطين كما يرفض ثنائية الدولة الفلسطينية, ويطالب بكومنولث يهودي داخل الحدود التاريخية لفلسطين.
1943م, انعقاد مؤتمر برمودا بضغط من الرئيس الامريكي روزفلت وإقرار حدود الهجرة إلى أوروبا وامريكا, وفتح أبواب الهجرة أما اليهود إلى فلسطين.
1944م, الحكومة الأمريكية ترفض "الكتاب الأبيض الانجليزي" حول تحديد هجرة اليهود وتطالب بأطلاقها, وفي نفس العام وصول مبعوث الفاتيكان إلى امريكا للتحذير من خضوع الغرب إلى المطالب الصهيونية وتجديد معارضة الفاتيكان إنشاء دولة يهودية في فلسطين.
1945م الرئيس الامريكي هاري ترومان يتولى الرئاسة في امريكا ومجسدا الصهيونية المسيحة بكل تفاصيلها.
1947م, ترومان يدعو إلى تحقيق أكثرية يهودية في فلسطين ويوجه مذكرة إلى رئيس الحكومة الإنجليزية للسماح لمائة ألف مهاجر يهودي جديد بدخول فلسطين.
1948م, قيام الكيان الصهيوني واعتراف امريك فوري به.
1949م, قرض أمريكي بقيمة مائة مليون دولار للكيان الصهيوني.
1949م, مساعدة أمريكية لإنماء الكيان الصهيوني بقيمة 159 مليون دولار.
1967م, الكيان الصهيوني بدعم امريكي يشن حربا على مصر وسوريا والاردن ويحتل سينا وغزة والضفة الغربية ومرتفعات الجولان والقدس.
1969م, الكيان الصهيوني يغير بطائرات امريكية على المخيمات الفلسطينية في لبنان
1972م المؤتمر الأول للمعمدانيين الجنوبيين في امريكا يعلن أنه يعتبر (السامية معادية للمسيحية, وأن المجتمع الإنجيلي حليف لطموحات إسرائيل).
1976م, وصول كارتر إلى الرئاسة وإعلانه (إن تأسيس إسرائيل المعاصرة هو تحقيق للنبوءة التوراتية).
1979م, كارتي يعلن أمام الكنيست الصهيوني (أن امريكا وإسرائيل تتقاسمان تراث التوراة).
1984م, الرئيس ريجان يعبر عن إيمانه بنظرية معركة (هرمجدون) ودور إسرائيل في معركة نهاية العالم واقتراب العودة الثانية للمسيح المخلص.
1989م, الولايات المتحدة الامريكية تعلن امتلال الكيان الصهيوني أسلحة نووية وكيماوية ذات تفجيرات عالية, وأن الكيان يتجه لإنتاج صاروخ أريحا 2 بعد أن أنتج أريحا 1 الذي يحمل رؤوسا نووية.
الانتفاضة الثانية
أظهر التاريخ في كثير من الأحيان أن الكفاح من أجل الاستقلال نادرا ما يُكتب له النصر على طاولة المفاوضات، بل إنه ينتصر بعد كفاح مسلح طويل وممتد، ويبدو أن الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة هم الآن المحدد الحقيقي للسياسة الخارجية للمنظمة التحرير والسلطة في غياب القيادة الفاعلة والدعم السياسي على المستويين الاقليمي والدولي، وفهم من تولوا دون قصد مهمة إبعاد السياسة الخارجية عن الخنوع وأعادوها إلى دور الكفاح المستقل والمسلح اللذين أوصلاهما إلى هذه النقطة كفاحهم في المقام الأول، وقد بدأت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في 30 سبتمبر عام 2000م، أي بعد حوالي ثماني سنوات من اليوم الذي وقع عرفات على إعلان، وفي فبراير من عام 2002م بلغ عد الشهداء من الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة منذ بدء الانتفاضة في سبتمبر 2000م، اكثر من ألف شهيد، وعدد الجرحى والمصابين اكثر من 17 ألفاً، فيما القى الكيان الصهيوني وامريكا المسؤولية كاملة فيما يتعلق بما يسمه العنف على الرئيس عرفات.
إن المقاومة وحدها وليس المفاوضات هي اللغة الوحيدة التي يفهما الكيان الصهيوني، وان الكيان الصهيوني كيان غريب وعنصري في وسط عربي إسلامي لن يقبل بوجوده وسوف يلفظه بالمقاومة وليس بغيرها عاجلا ام اجلا.