أخبار وتقارير

ثورة 14 اكتوبر.. نضال توج بالاستقلال والوحدة

ثورة 14 اكتوبر.. نضال توج بالاستقلال والوحدة

في 14 اكتوبر عام 1963م، بدأت الشرارة الأولى للثورة المسلحة من جبال ردفان حيث أعلنت التمرد المسلح وقطع المواصلات البرية، وأعلنتها ثورة مسلحة ضد الوجود البريطاني في جنوب اليمن، وقد ساندتها حكومة الجمهورية العربية اليمنية ماديا ومعنويا , وبدأت انطلاقة الثورة من جبال ردفان الشاهقة، وتجاوبت أصداؤها المنطقة بكاملها .

علي الشراعي
تعددت الدول اليمنية التي حكمت اليمن المعروف تاريخيا , سواء بصورة منفردة أو بصورة متعددة , حيث كانت تتعدد الدول في فترات الضعف وتقل في فترات القوة نتيجة سيطرة دولة واحدة , ولم تكن هناك حدود ثابتة لهذه الدول , وإنما كغيرها من الدول كانت حدود قوتها المادية وتحديدا العسكرية هي من ترسم حدود سيادتها ونفوذها فاليمن يمثل كيانا جغرافيا تاريخيا مستقلا . وعلى عكس المناطق المجاورة لها في شبة الجزيرة العربية لم ينقطع وجود الدولة في اليمن عبر التاريخ , فقد استمر اليمنيون بالانتماء للهوية الواحدة وإن تعددت الدول التي تحكمهم , ومع ضعف الدولة المركزية في صنعاء وصراع حكامها على السلطة بدأت بعض المناطق اليمنية في جنوب اليمن بالانفصال عن الدولة المركزية بصنعاء بدأ بانفصال حاكم لحج فضل بن علي بن صالح عام 1732م , عن الحكومة المركزية صنعاء. ومع الاحتلال البريطاني لعدن عام 1839م , وعودة العثمانيين لاحتلال شمال اليمن عام 1872م , ليرسموا واقع تشطير اليمن الموحد, وليبدا المستعمرين برسم خريطة تقسيم اليمن حيث يعود تاريخ الحدود التشطيرية التي رسمت بين شطري اليمن قبل إعلان الوحدة عام 1990م , إلى الاتفاقية التي وقعتها بريطانيا مع العثمانيين عام 1914م , اثناء احتلالها لعدن وجنوب اليمن واحتلال العثمانيين لصنعاء وشمال اليمن .

سياسة الانفصال
سيطر الاستعمار البريطاني على جنوب اليمن واستخدم مختلف أساليب القمع والاضطهاد والقتل والإذلال ضد الشعب , ونهب الثروة وتقسيم جنوب اليمن إلى أجزاء متناثرة سلطنات وامارات , ومارس ما يمارسه كل مستعمر أجنبي وغازي خارجي من سياسة تكريس وتعميق العلاقات البالية , والدفع بالصراعات والقتال بين القبائل والعشائر , تحقيقا لخدمة أهدافه ومصالحه معتمدا على سياسة ( فرق تسد ) . واعتمدت بريطانيا سياسة فصل الشمال عن الجنوب في أكثر من دولة ,حيث أعلن المحتل البريطاني رسميا في 11 فبراير عام 1959م , قيام اتحاد إمارة الجنوب العربي وتعهدت بريطانيا بموجبه بتقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية للدولة الجديدة حتى توصلها الى الاستقلال الذاتي , وفي شهر مارس 1962م , التحقت امارة الواحدي من المحمية الشرقية واصبح عدد الدول الاتحادية إحدى عشر دولة . وفي ابريل 1962م, بدل (اتحاد امارات الجنوب العربي ) اسمه واصبح ( اتحاد الجنوب العربي ) وذلك بسبب قرب دخول مستعمرة عدن في الدولة الاتحادية ., وهو اتحاد ضم اثنتي عشرة سلطنة ومشيخة , ثم انضمت إليه مستعمرة عدن عام 1963م , بينما لم تنضم له سلطنة يافع العليا وباقي سلطنات حضرموت (القعيطي والكثيري ) ويرجع ذلك إلى الرغبة السعودية ومطامعها عبر الضغط الامريكي على بريطانيا بعدم ضم حضرموت والمهرة لاتحاد الجنوب العربي . ومع قيام ثورة 14 اكتوبر 1963م . ضد الاحتلال البريطاني و بعد سيطرة الجبهة القومية على آخر السلطنات حضرموت في 17 سبتمبر 1967م لتسقط اطماع السعودية بحضرموت, وتسلم الجبهة القومية مقاليد الحكم بعد إعلان الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م ,. و قيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية على أنقاض أكثر من واحد وعشرين سلطنة ومشيخة وإمارة وقسمت هذه الجمهورية الوليدة إلى ست محافظات .

مدينة عدن
ركز الاستعمار البريطاني على مدينة عدن كنقطة وثوب استراتيجية رئيسية ورمى بثقله الأساسي فيها من خلال تحويلها إلى سوق تجارية ومحطة ترانزيت تصدير وإعادة تصدير منتجاته , وأنشأ أضخم القواعد العسكرية فيها , وعزل بينها وبين بقية المناطق اليمنية وميزها بحكم تواجد مصالحه فيها عن بقية أجزاء جنوب اليمن وأعتبر أبناء المناطق الريفية من أرض اليمن شمالا وجنوبا فيها أجانب ! بهدف مسخ وتذويب يمنية مدينة عدن وعروبتها , في الوقت الذي اعتمد على أبناء الجاليات كبديل للسكان اليمنيين , وشكل منهم قوات شرطة ورتبهم في المواقع الإدارية لمدينة عدن بعد ان جعل منها مستعمرة وجعل من الأجانب مشرفين على أبناء عدن وبقية جنوب اليمن تحت نفوذ وتوجيهات الضباط الانجليز , كل ذلك بعد أن فرض سلسلة من الاتفاقيات الهزيلة المذلة والمنفردة مع العملاء من السلاطين والامراء والمشائخ تارة بالرغيب وتارة بالترهيب , حيث بدأها باتفاقية عام 1839م , مع سلطان لحج - في نفس العام الذي احتل المستعمر البريطاني مدينة عدن- وإنتهاء بتشكيل حكومة الاتحاد الجنوب العربي بهدف تقسيم جنوب اليمن والتي هبت الجماهير اليمنية لتقف ضده واشعال ثورة 14 اكتوبر 1963م

مشاركة الناتو
اندلعت ثورة 14 أكتوبر 1963م , بعد 124 عاما من الاحتلال حيث سيطر البريطانيون على عدن في 19 يناير 1839م , واستمرت الثورة المسلحة والكفاح المسلح أربع سنوات في مناطق متعددة من جنوب اليمن عبر عمليات فدائية مسلحة قامت بهما الجبهة القومية وجبهة التحرير والتي انطلقت . حاولت بريطانيا بكل ثقلها وبكل إمكانياتها الجوية والبرية وأسلحتها المدمرة بقمع هذه الثورة واستمرت لأشهر ضربت خلالها القرى بمختلف أنواع الاسلحة واتبعت سياسة الأرض المحروقة ولكنها فشلت وهزمت أمام أبطال ردفان وتراجع الجيش البريطاني بمعداته وخبراته وقواته التي هزمت ومنيت بالفشل أمام ابطال ردفان الذين أثخنوهم بالقتل والدمار وأشاعوا فيهم الرعب والخوف , مما حد بحكومة المحتل البريطاني نقل قوات من شمال حلف الأطلسي ( الناتو ) لقمع هذه الثورة , ولكن أبطال ردفان كانوا أقوى إيمانا وأقوى شكيمة وتصميما وصمدوا صمود الجبال , مما أجبر بريطانيا إلى التراجع وجر أذيال الخيبة والخسران , وقد أطلق الجنود البريطانيين على أبطال ردفان ( بالذئاب الحمر) لما منوا به من خسائر في الأرواح والمعدات وأخافوهم وأقلقوا راحتهم . وتجاوبت مع أبطال ردفان القوى الوطنية في عدن وفي لحج وفي العوالق ويافع وفي حضرموت وفي المهرة , وتوسعت الثورة المسلحة لثورة 14 اكتوبر فأصبح خلف كل صخرة مقاوم , وخلف كل تبه قناص , وخلف كل شجرة مقاتل , و في الكهوف والجبال ثوار وأبطال . لتنتقل بعد عام واحد من قيامها بجبال ردفان إلى مدينة عدن القلعة الحصينة للمحتل البريطاني مما احدث صدى اقليمي وعربي ودولي لأحداث الثورة سياسيا وعسكريا .

حادث الرؤوس
ومع اشتداد الثورة في ردفان قررت بريطانيا القيام بعملية برية واسعة تحطم الثورة وتعيد سيطرتها على ردفان . باعتبار العمليات الجوية وحدها يمكن ان تكون على أحسن حال مجرد حل موقت فأرسلت القوات البريطانية لمساندة القوات الاتحادية في ردفان وبالتدرج ارتفع عدد افرادها إلى قوة لواء واستمرت عملية ردفان من يناير لغاية مايو 1964م , وقد رافق تلك الحملة العسكرية حملة دعائية دعا إعلامية فمن الناحية العسكرية كان الهدف الرئيسي للدعاية هو زيادة عدد المتطوعين للانضمام للقوات البريطانية وجيش الاتحاد . ولقد منح تسهيل للصحفيين للذهاب هناك ورؤية الأشياء بأنفسهم وبناء عليه فقد تم ضمان تغطية واسعة في الصحف البريطانية وقد بلغت الحملة الدعائية ذروتها حول ما سمى ( بحادث الرؤوس ) ففي ابريل 1964م تم تطويق دورية من القوات البريطانية العاملة في عمق أراضي ردفان وإجبارها على القتال وقد قتل اثنان من الجنود وتم التخلي عن جثتيهما وقد فصل رأساهما وتم العثور على الجثث بعد خمسة أيام من وقوع المعركة.
وعقد الجنرال كبون قائد الجيش البريطاني مؤتمرا صحفيا ادعى فيه أن رأس الجنديين البريطانيين المقتولين قد عرضا على مداخل مدينة تعز . مما أثار الدهشة أن تصريح الجنرال قد أحدث ضجة كبيرة في المملكة المتحدة وقد طلب منه أن يقدم الدليل على ذلك وهو مالم يتمكن القيام به خاصة بعد أن نفى القنصل الأمريكي في تعز تلك الانباء . وبذلك منيت عملية ردفان بنكسة وهزيمة للقوات البريطانية لتنطلق بعدها الثورة إلى داخل مدينة عدن معقل المستعمر البريطاني .

صوت الثورة
قدمت حكومة ثورة 26 سبتمبر في صنعاء دعما ماديا ومعنويا لثورة 14 اكتوبر , بل قد هيئت الظروف لقيام ثورة اكتوبر واستطاعت أن تخترق الحواجز الحديدية التي فرضها الاستعمار البريطاني في المنطقة لتقديم كل المساعدات لثوار ثورة 14 اكتوبر 1963م, وإعلاميا عبر إذاعتي صنعاء وتعز , وقد مثلت إذاعة تعز صوت الثورة 14 اكتوبر , وكانت بمثابة الناطق الرسمي لها منذ لحظة انطلاقها في 14 اكتوبر عام 1963م , وحتى تحقيق الاستقلال الوطني ورحيل آخر مستعمر من أرض جنوب اليمن في ال30 من نوفمبر 1967م
ونتيجة لدعم صنعاء لثوار ثورة 14 اكتوبر , فقد شنت بريطانيا في مطلع ابريل 1964م . بثمان طائرات حربية هجوما عدوانيا على قلعة حريب في مأرب , في محاولة للضغط على الجمهورية العربية اليمنية لإيقاف الهجمات الفدائية المسلحة التي تشن من أراضيها . وفي 19 يونيو 1965م , حظرت سلطات الاحتلال البريطاني نشاط الجبهة القومية في جنوب اليمن واعتبرتها حركة إرهابية , وقامت بإبعاد 245 مواطنا من شمال اليمن من مدينة عدن .

صناعة العملاء
خلال عقود الاستعمار خلق المحتل هويات صغيرة ودعم حكم السلطنات والتي كانت هي القائم بأعمال المحتل كسلطات محلية معززة بالمال والقوة والسلاح والنفوذ الخارجية . ربما يعود اليمن في صور تشكيلات وتنظيمات وتسميات تعزز الانتماءات المناطقية وتعمق الانقسامات بين مناطق محافظات جنوب اليمن خدمه للمستعمرين وغزاة اليوم فقد حكمت بريطانيا مناطق جنوب اليمن وشرقه الذي كان يعرف ب( اليمن الجنوبي ) عبر حكومتها في الهند وفرعها في عدن , وأبقت السيطرة على مناطق المهرة وأرخبيل سقطرى تحت حمايتها واستطاعت حكومة الهند البريطانية ان تسيطر على جنوب اليمن دون صعوبات كبيرة ودون احتلال فعلى للأراضي وانما بواسطة اسلوب الاتفاقيات والأحلاف التي امتدت منذ السنوات الاولى لاحتلالها لعدن عام 1839م . وعلى هذا النحو أخضعت السلطات البريطانية صغار الامراء المحليين لسلطتها فكرست بذلك الصراعات المناطقية وعمقت النزاعات القبلية بل ذهبت أكثر من ذلك إلى حد إعطاء زعماء القبائل صفة الإمارة والسلطنة والمشيخة ووضعهم على رأس دول مصطنعة , لذلك قامت في ظل الاحتلال البريطاني مجموعة كبيرة من المحميات كانت تتوالد وتتكاثر كلما عقدت معاهدات جديدة للحماية تم توقيعها من قبل زعماء آخرين , فتحولت الصراعات القبلية إلى صراعات بين دول و سلطنات ومشيخات ذات تكوينات إقطاعية . كذلك لم يعمل الاستعمار البريطاني لجنوب اليمن على استغلاله سياسيا واقتصاديا لحماية مصالحه واستراتيجيته فحسب بل عملا على محاولة طمس الثقافة الوطنية اليمنية وعرقلة نموها وتطورها وتمزيق وحدة الوطن اليمني , لقد كان كل أجنبي وغازي يحتل اليمن يحاول أن يغرس ويفرض القيم والثقافة التي ينتمي إليها ويحملها معه وطمس كل ماله صلة بالثقافة الوطنية . على أن الوطنيين اليمنيين على اختلاف مشاربهم ظلوا يقاومون هذه المحاولات الاستعمارية ويكرسون الثقافة الوطنية للشعب اليمني .

مواقف وحدوية
باستعراض خريطة الجمهورية اليمنية , أو خارطة دولتي الشطرين ( الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ) سابقا يلاحظ أنه لا وجود جغرافي حقيقي لشمال وجنوب اليمن بل إن الأقرب هو وجود ( شرق وغرب ) تمثل الأولى الجمهورية العربية اليمنية الغرب , فيما تمثل محافظات جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الشرق , وفيما يحد اليمن سواء خلال التشطير وتحديدا منذ عام 1932م , او بعد تحقيق الوحدة اليمنية من الشمال المملكة العربية السعودية . وقد تنبه قادة التحرر من الاستعمار البريطاني لسياسته التمزيقية فعملوا على تكريس وتثبيت اليمننة في مختلف المكونات والمناسبات , ابتداء من اسم الدولة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية بعد الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م , ثم تغيير اسمها عام 1970م إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية , ومن ثم خلال تأسيس اسم الحزب الحاكم ( الحزب الاشتراكي اليمني ).فكانت المواقف تجاه الوحدة اليمنية في المراحل التأسيسية لنشوء الحزب وقد توجت تلك المواقف بما اعتمده المتمر الأول المنعقد في اكتوبر عام 1978م , والذي تم فيه الإعلان عن قيام الحزب الاشتراكي اليمني والذي انعقد تحت شعار ( لنناضل من أجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة الخمسية وتحقيق الوحدة اليمنية ) ومنذ ذلك الحين ظل ذلك الشعار يتصدر جميع المطبوعات والوثائق الرسمية والشواهد كثيرة في الخطاب السياسي والثقافي والاجتماعي , وأصبح شعارا يوميا يتردد من كل الأفواه وفي كل المناسبات والطوابير الصباحية والمسائية لجميع المؤسسات , وما ذلك إلا لتعظيم شأن الوحدة اليمنية ولكي تبقي الهدف الأسمى في نضال الجماهير

تحقيق الاهداف
ونحن اليوم نحتفل بمناسبة الذكرى ال61 لثورة 14 اكتوبر 1963م , نجد تلك الظروف التي عاشتها اليمن قبل ثورة 14 اكتوبر في ظل المحتل البريطاني تعاد اليوم حيث يراد اعادة النزعات الاستقلالية في كل محافظة على حدة من خلال إعطائها حكم ذاتيا وعسكريا وفصلها عن محيطها بمسميات واهداف مناطقية خدمة لأجندات خارجية تهدف للسيطرة والتحكم واستغلال موارد وثروات ومواني وجزر جنوب اليمن .ان ثورة 14 اكتوبر صنعت الاستقلال لشطر الوطن بطرد المحتل البريطاني وانجزت اهم خطوة في طريق توحيد اليمن , فقد حققت اهدافها الكبرى التي اعلنتها وقامت من اجلها وتمثلت في التحرر من الاستعمار وتحقيق الاستقلال الوطني غير المشروط , وتوحيد السلطنات والمشيخات في دولة واحدة , والعمل على تحقيق الوحدة اليمنية بين شطري الوطن . فثورة 14 اكتوبر لم تفرط في السيادة الوطنية وحافظت على استقلالية القرار الوطني ولم تسمح بإقامة قواعد اجنبية فيها وعقد معاهدات عسكرية وحماية . فخلال مفاوضات الاستقلال الوطني رفض الثوار تسمية البريطانيين ( الجنوب العربي ) وأصر حينها قحطان الشعبي على تسمية ( جنوب اليمن ) , نجد اليوم ذات التسمية تعاد من دعاة الانفصال والحكم الذاتي المدعومين من الخارج .

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا