
"ترامب " وسياسته الجديدة
محمد الصالحي
مع إعلان فوز دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية، تتجه الأنظار إلى معالم سياسته الخارجية المتوقعة في ولايته الثانية، وسط توقعات بأن يكون نهجه امتداداً لسياساته السابقة،
مع بعض التعديلات المحتملة بناءً على التطورات الدولية الراهنة، حيث ظهرت مؤشراتها في تصريحاته خلال حملته الانتخابية الأخيرة.
فمن المتوقع أن تقوم سياسة ترامب الجديدة على رؤية تجمع بين تعزيز المصالح الأمريكية المباشرة، وتقديم دعم لا محدود للكيان الإسرائيلي، مع تبني نهج يتجنب التورط في التدخلات الخارجية، ومحاولة انتهاج سياسة أكثر انفتاحاً على روسيا.
وبالرغم من تأكيد ترامب على استمرارية هذه السياسات، فإنه لا يمكن إغفال العوامل التي قد تؤثر على مصداقية هذه السياسة في المستقبل القريب.
فعلى مستوى تقديم الدعم اللامحدود للكيان الإسرائيلي، خلال فترة رئاسته الأولى، أظهر ترامب دعمه الكامل للكيان الإسرائيلي. فقد أعلن صفقة القرن التي تضمنت اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة للكيان، كما أصدر قراره بنقل السفارة الأمريكية إليها. وفي إطار هذه الصفقة تم عقد اتفاقية أبراهام بين الكيان والإمارات والبحرين، في محاولة لتصفية القضية الفلسطينية، وتبني الرؤية الإسرائيلية، وفرض وجهة النظر الإسرائيلية لما يسمى السلام في المنطقة. كما أن هذا الاتفاق يعزز من مكانة إسرائيل الإقليمية، ويدعم تفوقها في المنطقة، ويخدم المصالح الإسرائيلية بشكل أساسي.
وخلال حملته الانتخابية، كرر ترامب دعمه لإسرائيل ولعملياتها العسكرية في غزة ولبنان، وأكد على حق الكيان الإسرائيلي في صنع انتصاره المزعوم كما يدعي، بالقضاء على الإرهاب، في إشارة واِ}ضحة إلى فصائل المقاومة.
وفي الجانب الآخر، فإنه سيمارس نوعاً من الضغط على حلفاء الولايات المتحدة من الأنظمة العربية، لزيادة تعاونها مع الكيان الإسرائيلي، وربما نشهد إبرام اتفاقيات تطبيع جديدة بين العرب والكيان الإسرائيلي على غرار اتفاق أبراهام، بهدف خلق تحالفات جديدة في المنطقة، تتبنى سياسات ومواقف ضد محور الجهاد والمقاومة، وتخدم مصالح الولايات المتحدة، وتعمل على حفظ أمن الكيان. ومن وسائل الضغط لتحقيق ذلك، ربط استمرار الدعم والتعاون والحماية الأمريكية لهذه الأنظمة، بمدى تحقيق تقارب مع الكيان الإسرائيلي، وتقديم تنازلات لصالح السياسة الأمريكية في المنطقة.
ومما لا شك فيه أن حصول هذا النوع من التقارب وتقديم التنازلات والانصياع العربي للهيمنة الأمريكية، سيؤدي إلى اضطرابات على المستوى المحلي داخل الدول العربية التي تختار الخنوع للإملاءات الأمريكية والإسرائيلية، وبالأخص مع ما تشهده المنطقة من عدوان وحرب إبادة يمارسها الكيان الإسرائيلي ضد أبناء غزة ولبنان.
حيث أن مثل هذا التقارب لن يكون مقبولاً من قبل شريحة واسعة داخل الشعوب العربية، وستجد بعض المكونات والتيارات المعارضة والرافضة لعملية التقارب بين هذه الدول والكيان الإسرائيلي، تعاوناً ودعماً قد تتفاوت درجاته من قبل محور الجهاد والمقاومة.
كما أنه خلال حملته الانتخابية، أكد ترامب على موقفه الرافض للتدخلات العسكرية الجديدة، ودعا إلى تقليص التزامات الولايات المتحدة في النزاعات الخارجية. سياسة تقليص التدخلات العسكرية الخارجية الأمريكية، ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى أن تنتهج الولايات المتحدة في المنطقة سياسة حرب الوكالة. حيث أن الولايات المتحدة حذرة في التعامل مع ما يجري في المنطقة، إذ تعتبر ذلك فخاً روسياً للإيقاع بها، كما نجحت هي في إشغال روسيا بالحرب الأوكرانية، كنوع جديد من أنواع الحروب بالوكالة. لذلك، ستزيد من الضغط على الأنظمة المتحالفة معها لتبني سياسات معادية لمحور الجهاد والمقاومة، مما سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع في المنطقة، وزيادة حالة عدم الاستقرار.
كما أن أي تعاون بين محور الجهاد والمقاومة والحركات السياسية المعارضة والرافضة لعمليات التقارب بين أنظمتها والكيان، ستعتبره الدول العربية المطبعة تدخلاً في شؤونها الداخلية، مما يؤدي بدوره إلى تفاقم حدة الانقسام داخل النظام العربي، وكذلك تفاقم واتساع حدة الصراع والأزمات في المنطقة.
أما على الصعيد الدولي، فبناءً على تصريحاته السابقة، يعتقد ترامب أن استمرار دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا ليس في مصلحة الولايات المتحدة على المدى الطويل، لا من الناحية الاقتصادية ولا الاستراتيجية. وبدلاً من التورط في نزاع طويل الأمد، يسعى ترامب إلى إيجاد تسوية سلمية قد تساهم في خفض حدة التوتر بين أكبر دولتين نوويتين في العالم. كما أن سياسة ترامب قد تؤدي إلى تخفيف حدة التوترات العسكرية، مما يعزز الاستقرار في الساحة الدولية.
ومع ذلك، فإن هذا التوجه قد يثير استياء وانتقادات حادة من حلفاء واشنطن في أوروبا. إذ يعتبر الأوروبيون أن استمرار دعم أوكرانيا جزء أساسي من استراتيجيتهم الأمنية في مواجهة التوسع الروسي. وبالتالي، فإن تقليص الدعم الأمريكي لأوكرانيا قد يؤدي إلى فتور في العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، الذين يعتمدون على القيادة الأمريكية في تعزيز الأمن الأوروبي.
من المتوقع أن يواجه ترامب تحديًا في التعامل مع هذه الفجوة المتزايدة بين واشنطن وحلفائها في القارة العجوز, إذ أن أي تحول في السياسة الأمريكية قد يثير قلقًا كبيرًا في الدول الأوروبية التي ترى في الحرب في أوكرانيا تهديدًا وجوديًا لأمنها، وقد تجد نفسها مجبرة على اتخاذ خطوات جديدة لضمان استقرار المنطقة.