الاستفادة من الأحداث والمتغيرات الدولية واستثمارها
26 مليون مواطن يمني يعيشون اليوم أوضاع الحرب والحصار على مدى مايقارب 8 أعوام على مرأى ومسمع من العالم والمجتمع الدولي
والهيئات والمنظمات الدولية الراعية للإنسان وحقوقه الإنسانية، والتي تعيش في صمت مطبق عن مايعانيه الشعب اليمني دون أي مراعاة للعدالة الدولية أو الضمير الإنساني.
وبرغم كل تلك المعانــاة من عدوان وحصار من قبل تحالف العدوان الأمريكي البريطاني الفرنسي الإماراتي السعودي مازال هذا الشعب صابراً واثقاً بعدالة الله، ويكفينا أن نرى معاناة مرضى الفشل الكلوي والسرطان -كجزء من تلك المعاناة - لنعرف الوجه الحقيقي والقبيح للأمم المتحدة وأمريكا وأوروبا وممالك الرمال والنفط .
فنحن نرى اليوم بأن الأمم المتحدة ومجلس الأمن تعاملت مع حرب أوكرانيا كجريمة حرب، بينما اليمن وشعبه وما يتعرض له من سنوات لم يحرك ساكناً في ضمير تلك الهيئة الدولية المنافقة ومن ورائها العالم الصامت، وليس أدل على ذلك من إقدام ذلك التحالف البغيض من احتجاز سفن الوقود التي صرحت لها الأمم المتحدة بالدخول إلى ميناء الحديدة، تلك الهيئة الدولية العاجزة والمتواطئة مع العدوان والتي كان آخرها احتجاز سفينة الوقود الإسعافية «قيصر»، -بحسب بيان شركة النفط اليمنية في صنعاء- والذي أشار إلى أن تحالف العدوان منع تلك السفينة من الدخول الى ميناء الحديدة واقتادها إلى سواحل جيزان، في قرصنة دولية مكتملة الأركان ولزيادة معاناة هذا الشعب العظيم لتركيعه.
فتلك الأزمة الخانقة التي تمر بها بلادنا والوضع الذي يعيشه المواطن والأحداث والمتغيرات التي يمر بها العالم يجب أن نستفيد منها برؤية وطنية وإحساس بالمسؤولية لاستغلال تلك المتغيرات والأزمات الدولية واستثمارها بما يخفف من الحصار الاقتصادي الجائر على بلدنا، فالعالم الآن بحاجة إلى أسواق جديدة -خاصة العربية- منها لتغطية احتياجاتها من النفط والغاز والمعادن والأغذية والخضروات، والتي كانت روسيا توفرها لهم، فذلك سيعود على بلادنا بفوائد عظيمة تلبي احتياجات البلد.
فالأسعار الآن ترتفع بواقع 50% في كل المواد الأساسية والمواطن المسكين المغلوب على أمره يحس الآن بأنه لا أحد يهتم بوضعه، وبدوره يتسائل من أين سيغطي ذلك التضخم الرهيب في ظل انقطاع المرتبات؟ وكيف وإلى متى سيستمر ذلك الغلاء الفاحش في التصاعد القاتل والذي سيودي إلى المجاعة الكبرى؟ ومامدى تأثير ذلك على الجبهة الداخلية وصمودها.
وعندما نتحدث عن الجبهة الداخلية وضرورة الاصلاحات والمعالجات نرى بأنه يجب إعادة النظر في الكثير من السياسات والسلوكيات - وبعض التصرفات السلبية غير المسؤولة - من بعض الجهات المرتبطة بحياة المواطن، والتي يجب أن تعالج وأن تجد لها الحلول الحلول المناسبة، لإنها إن استمرت على هذا المنوال ستخلق حالة من الاستياء الكبير والاحتقان لدى المجتمع، وأن لايظل عدم الاهتمام والمبالاة بها هو السائد، لأن ذلك سيتسبب في خلخلة صمود هذه الجبهة المهمة والتي ستؤثر قطعاً على الاستمرار في الصمود ببقية الجبهات.
إن إفقار اليمن وتدمير اقتصاده هو هدف واستراتيجية سعودية مستمرة لحرب طويلة الأمد- ومن ورائها تحالف العدوان والامبريالية العالمية الصهيوامريكية-، فقد عمدت السعودية منذ عقود إلى إفقار اليمن والتحكم باقتصاده، والحيلولة دون إحداث أي نهضة اقتصادية من شأنها أن تعزز إمكانيات هذا البلد، وتجعله مالكاً لثرواته وحراً في قراره، وهو الأمر الذي سيخرجه من حالة التبعية لها، ويبرز اليمن الذي يمتلك الإمكانات البشرية والموارد الطبيعية والموقع المتميز، كقوة في المنطقة.
ذلك هو ما تجمع عليه حقائق المراحل السابقة، وتدعمه السياسة السعودية تجاه اليمن طيلة العقود الماضية، والتي اتسمت بإعاقة أي مشروع نهضوي، وفرض التبعية الاقتصادية كأمر واقع لا يمكن تجاوزه، لتكون النتيجة عقود من التدهور الاقتصادي عاشتها اليمن، منذ أواخر سبعينات القرن الماضي، مورست خلالها سياسة التجويع والإفقار للمواطن اليمني، وتجميد مقدراته أو تسخيرها لصالح رمز النظام الذي فرضته السعودية على البلاد.
فقد أكدت إحدى الدراسات التي نشرت مؤخراً بأن الحرب الاقتصادية التي تشنها السعودية بموازاة حربها العسكرية في اليمن، والتي ترتب عليها أضرار اقتصادية بمليارات الدولارات، بالإضافة إلى فرض الحصار وتعطيل الموارد، ليست سوى الحلقة الأحدث في تاريخ طويل من المحاولات السعودية للسيطرة على اقتصاد اليمن والمؤسسة السياسية وإخضاعهما..مضيفة بأنه ولأكثر من ثلاثة عقود، شنت السعودية حملة اقتصادية لقمع جارتها الجنوبية في محاولة منها لمنعها من الظهور كمنافس إقليمي.
ومن ضمن تلك الحرب الاقتصادية على الشعب اليمني فقد أشارت تلك الدراسة إلى ما تتعرض له العمالة اليمنية في السعودية من ممارسات تعسفية وطرد وترحيل، كصورة من صور الحرب الاقتصادية طويلة الأمد، وقالت: “إن قرار المملكة العربية السعودية طرد العمال اليمنيين- رغم كونه شنيعاً بشكل خاص، نظراً لظروف تهجيرهم- هو جزء من نمط طويل الأمد”، لافتة إلى أنه “منذ إنشاء الدولة السعودية الحديثة خلال ثلاثينيات القرن الماضي، خشي الملوك المتعاقبون التهديد الذي قد يشكله اليمن الموحد والمزدهر والديمقراطي على حكمهم، خاصة بعد توحيد شمال وجنوب اليمن في عام 1990”، حيث عمدت السعودية “لإثارة الانقسامات الداخلية وإضعاف الاقتصاد اليمني، لا سيما من خلال سحب تصاريح عمل العمالة اليمنية وإلغاء المساعدات الخارجية التي تعتمد عليها البلاد”، فالجهود التي استمرت عقوداً لعرقلة التنمية اليمنية لم تحقق الأهداف الأمنية السعودية المتمثلة في إقامة دولة يمنية ضعيفة، موضحة أن الأمر لم يتوقف عند حدود ذلك الفشل، بل إن السعودية وعبر استهدافها لاقتصاد اليمن، نجحت فقط في توليد صراع عسكري مكلف ومتقلب، وقد فرضت السعودية منذ سبعينات العام الماضي منظومة ثلاثية “سياسية وعسكرية ودينية” موالية لها لحكم اليمن، على ممارسة سياسة التجويع والإفقار للمواطن اليمني، فيما مقدرات البلد الاقتصادية تذهب لصالح ذلك النظام والنافذين المرتبطين به من القوى المشيخية والعسكرية والسياسية.
وقد مهدت سياسة الإفقار التي مورست في اليمن خلال أكثر من ثلاثة عقود، وتحكم فئة معينة تابعة للسعودية بمقدرات البلد الاقتصادية واستغلالها لصالحهم بعيداً عن مصلحة الشعب، لتحكم السعودية القرار اليمني عموماً والقرار الاقتصادي بشكل خاص، فأوقفت عجلة التنمية التي كانت قد انطلقت في عهد الرئيس الأسبق الشهيد إبراهيم الحمدي، وحولت اليمن من دائن إلى مدين، وبدأ العجز العام في الموازنة يتصاعد منذ عام 1982م ولم يتوقف حتى عام 2014م، كما عملت على تغييب أي رؤية اقتصادية للحكومات السابقة، وامتدت يد السعودية إلى منع استغلال أيٍّ من تلك الموارد المتنوعة التي تمتاز بها اليمن، فلم تشهد البلاد على مدى تلك السنوات الطويلة أي اهتمام حكومي بالثروة الزراعية أو الحيوانية أو السمكية، كأبرز مصادر توفير الأمن الغذائي، لتتحول البلاد إلى مستورد لما يقارب 90% من احتياجاتها، وهو ما أرهق الاقتصاد اليمني وألقى بآثاره الكارثية على الحياة المعيشية لملايين السكان، فيما انحصرت صادرات البلد المتنوع الموارد والثروات في مورد واحد هو النفط والغاز بنسبة 80%.
فخلال العقود الماضية جمدت الحكومات السابقة الخاضعة للوصاية الخارجية عدداً من الأولويات الاقتصادية، فأهملت المجال الزراعي، وفتحت المياه الإقليمية للاصطياد الجائر من قبل شركات عالمية، كما فتحت السواحل اليمنية أمام عمليات التهريب، واقتصر الاستثمار للثروات النفطية على 20% من القطاعات النفطية، في حين ظلت 80% من خارطة القطاعات الاستكشافية، بحسب الدراسات والمسوحات، مجمدة، ويعود ذلك إلى وقف السعودية عملية التنقيب عن النفط على مر العقود الماضية في عدد من القطاعات، منها حقل حرض النفطي الذي يُعدُّ أول حقل نفطي في شمال اليمن، تم استكشافه عام 1977م، كما تم إيقاف التنقيب في الجوف مطلع ثمانينيات القرن الماضي.
تلك التدخلات والقيود التي وضعتها السعودية على الاقتصاد اليمني، قوبلت بخضوع من الحكومات المتعاقبة، بسبب ارتباط رأس النظام وأجنحته المشيخية والعسكرية والسياسية التي كانت تمثل في مجموعها منظومة الحكم- آنذاك-، وتبعيتها المطلقة للسعودية، التي ظلت متحكمة بالقرار اليمني، وتتعامل مع اليمن كحديقة خلفية لها، تدار عبر أيادي الرياض الخفية وعملائها المشمولين بقوائم اللجنة الخاصة، وليست دولة مستقلة ذات سيادة.
فعلى حكومتنا استغلال جميع الفرص الاستثمارية ومنها فرصة الاحداث العالمية ومتغيراتها واستثمارها، حيث والعالم الآن يحتاج للنفط والغاز والمعادن والخضروات والحبوب والبن وكل ما يوجد لدينا من ثروات ليستفيد منها الوطن والمواطن، ولتخفف من آثار الحصار الجائر الذي يفرضه علينا تحالف العدوان الهمجي بمباركة وشرعنة هيئات الأمم المتحدة، والتي هي الشريك الأساسي له في جرائمه بحق الشعب اليمني.
# رئيس اتحاد منظمات المجتمع المدني