المقاطعة الاقتصادية.. طوفان اقتصادي فتاك
قدرت الخسائر الأولية بعشرات المليارات من الدولارات
رشيد الحداد /
رغم ان حركة مقاطعة البضائع الإسرائيلية والأمريكية تعود إلى نحو 75 عاماً، إلا أن اتساع نطاق المقاطعة لدى الشعوب العربية والإسلامية واحرار العالم المتضامنين مع الشعب الفلسطيني منذ السابع من أكتوبر وحتى اليوم،
مثل ميلاد جديد لاهم سلاح اقتصادي متاح امام الجميع، ولا قيود سياسية تحول دون استخدامه من قبل الشعوب الحرة الرافضة لجرائم العدوان الإسرائيلي الأمريكي بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، وان كانت صنعاء كان لها الريادة في مساندة الشعب الفلسطيني عسكرياً واقتصادياً ، فان القرارات التي اصدرتها وزارة الصناعة والتجارة في صنعاء، تعد اول قرارات حكومية تتخذ في المنطقة ، وهو موقف يحسب لصنعاء التي اقرت حظر استيراد وترويج كل منتجات الشركات الامريكية والإسرائيلية الداعمة للكيان تماشياً مع موقف الشعب اليمني المساند للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني..
وأعلنت وزارة الصناعة والتجارة ايضاً الغاء كافة الوكالات والعلامات التجارية المسجلة لدى الوزارة للسلع والمنتجات والخدمات ذات المنشأ الأمريكي ، يضاف إلى حظر كافة الإعلانات التجارية لتلك الشركات في السوق المحلي.
إلا أن نطاق المقاطعة الاقتصادية لمنتجات العدو الإسرائيلي والامريكي اتسع اتساعاً غير محدود وتجاوز لأول مرة الأسواق العربية الى الدولية ، ليكبد اقتصاد العدو افدح الخسائر ويكبد اقتصاديات كافة الدول المساندة للعدو الإسرائيلي في حربه على الشعب الفلسطيني خسائر تفوق كافة الحسابات السياسية لتلك الدول ، وفقاً لتتبعنا لموجة الغضب الشعبي وانعكاساتها على منتجات العدو وكافة المنتجات التابعة للشركات الدولية التابعة للكيان ، تبين أن نطاق مقاطعة البضائع الإسرائيلية والأمريكية اخذ في الاتساع من الأسواق اليمنية إلى الأسواق الكويتية والمصرية واللبنانية والسورية والقطرية والعراقية والتونسية والجزائرية والمغربية ، يضاف إلى ان حركة المقاطعة اخذت بالتصاعد في الأسواق الاسيوية المسلمة لأول مرة مثل باكستان وأفغانستان وأجزاء من الهند ، وماليزيا وإندونيسيا، وتعرضت شركات أمريكية وإسرائيلية في بريطانيا وامريكا للتهجم والمقاطعة من قبل العرب والمسلمين ومتضامنين من تلك الدول ، وبالمثل تصاعدت الدعوات الشعبية للمقاطعة الاقتصادية لمنتجات شركات إسرائيلية وامريكية في أسواق عدد من الدول الأوروبية .
المقاطعة تهدد شركات عالمية بالإفلاس
مواجهة الشعوب العربية والإسلامية والحرة في كل اصقاع العالم، جرائم الإبادة الجماعية البربرية التي ارتكبتها وترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من 30 يوماً، بالمقاطعة الاقتصادية للبضائع والمنتجات الإسرائيلية والأمريكية هي اكثر من فرصة ثمنيه للمنتجات المحلية التي دفعت ثمن المنافسة غير الشريفة لتلك المنتجات الأجنبية، ودفعت بالمستهلكين في هذه الدول إلى اقتناء السلع والمنتجات البديلة لسلع ومنتجات يعود ريعها لجيش العدو الإسرائيلي وللحركة الصهيونية العالمية، كبدت فروع الشركات الإسرائيلية العابرة للحدود في المنطقة العربية خسائر كبيرة ، ودفعت فروع تلك الشركات في لبنان والكويت والعراق ومصر وتركيا ودولاً أخرى إلى اصدار بيانات نفت علاقتها بالشركة الام، وزعمت ان تلك الفروع تابعة لرجال اعمال محليين وعرب ولا علاقة للجيش الأمريكي بها، معلنة تضامنها مع الشعب الفلسطيني وادانتها جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين العزل في قطاع غزة ، كما حاولت التخفيف من الحملة الشعبية العالمية للمقاطعة على منتجات تلك الشركات التابعة للكيان ولأمريكا التي وقف بكل قبح إلى جانب العدو الإسرائيلي مقدمة المال والسلاح والغطاء السياسي لارتكابه تلك الجرائم بتخفيض أسعارها محاولة لفت الأنظار وجذب المستهلكين الذين عزفوا بشكل جماعي عن استهلاكها تضامناً مع شعب غزة ، كما دفعت بشركات عالمية إلى وقف بيع منتجاتها في السوق الإسرائيلي ، تضامناً مع الشعب الفلسطيني خشية ان تفقد عملاءها وطمعاً في الحصول على المزيد من العملاء الجدد ، إذ دخلت شركة الملابس الصينية العالمية “شي إن”، على خط الصراع ، بعد أن تعرضت لانتقادات من الإسرائيليين بسبب عرض الشركة أعلام فلسطينية للبيع، ورفضت عرض اياً من الاعلام الخاصة بالكيان ، وقررت الشركة الصينية العملاقة إنهاء شراكاتها مع المؤثرين الإسرائيليين ، وعللت صحيفة “إسرائيل هيوم” إجراءات “شي إن”، بأنها “عقاب لإسرائيل على الحرب التي تشنها عن غزة”.
إنعاش الإنتاج المحلي.
أدت حملة المقاطعة لمنتجات الشركات الداعمة لإسرائيل في عدد من الدول العربية والإسلامية إلى إنعاش سوق الصناعات المحلية في تلك الدول، وتحولت حملات التوعية بأهمية المقاطعة لتلك المنتجات إلى حملات ترويجية لمنتجات وطنية في عدد من الدول العربية وتوضيح أهمية استهلاك المنتج الوطني واثره على الاقتصاد الكلي وعلى حياة المجتمع ودوره في انعاش القطاع الصناعي المحلي ، وساهمت هذه المرة مواقع التواصل الاجتماعي باتساع نطاق حملات المقاطعة للبضائع التابعة للعدو ، والتعريف بالعلامات التجارية العالمية التي تساند إسرائيل والتي يجب مقاطعتها، وتوضيح أنواع وخصائص استهلاك المنتجات المحلية أو المستوردة المنتجة من قبل شركات لا تساند الاحتلال الإسرائيلي.
في مصر التي تعد واحدة من كبرى الأسواق الاستهلاكية العربية نظراً لتجاوز عدد سكانها 120 مليون نسمة ، اتسع نطاق المقاطعة في أسواقها الاستهلاكية المختلفة خلال الأسابيع الماضية بشكل طردي ،واسهمت الحملات الشعبية للمقاطعة بإنعاش الطلب على منتجات محلية تراجع الطلب عليها خلال السنوات الماضية في السوق ، وقالت مصادر اقتصادية ان المستهلكين المصريين استبدلوا مشروب الكولا بمشروب غازي مصري يعود إنتاجه الى العام 1920، وبحسب ما ذكره موقع “مصر24” فقد تصدر اسم مشروب “سبيرو سباتس” وأعاد للأذهان صورة ذلك المشروب التاريخي بالنسبة للكثيرين ، ليرتفع مستوى الطلب على هذا المنتج الى اعلى مستويات منذ أكثر من 50 عاما من تراجع مبيعاته وانحساره من السوق بسبب منافسة المنتجات المستوردة ، وبحسب الموقع ، فان الشركة المصنعة للمشروب المصري مما دفع الشركة للإعلان عبر صفحتها على “فيس بوك” عن احتياجها لموظفين، بعد توسيع نطاق توزيع منتجاتها لتشمل معظم المحافظات المصرية، في خطوة لما تقوم بها الشركة منذ وقت طويل ،وارجع ذلك إلى ارتفاع الطلب المتزايد على المنتج، بعد حملات المقاطعة لمنتجات الشركات الداعمة لإسرائيل.
وساهمت المقاطعة الاقتصادية للبضائع الإسرائيلية والأمريكية برفع وعي المستهلكين بقيمة المنتج الوطني، وأهمية تشجيعه أمام المنتجات المستوردة، وحجم الفوائد التي تعود على الاقتصاد الوطني مع الاعتماد على المنتجات المحلية في مختلف الدول العربية ، واتاحت اكثر من فرصة امام الدول لوضع خطط انتاجية تهدف إلى إيجاد البدائل لمنتجات الأعداء .
الخسائر المتوقعة بالبليون دولار
لأنها عملية "طوفان الأقصى "، فان تداعياتها الاقتصادية على اقتصاديات الدول التي وقفت إلى جانب قتلة الأطفال والنساء والشيوخ في قطاع غزة ستكون ايضاً طوفاناً اقتصادياً غير مسبوق، فالمقاطعة الحالية تخطت الأسواق العربية باستثناء أسواق الامارات وأسواق البحرين وهناك مقاطعة محدودة لمنتجات العدو في الأسواق السعودية، وفي الأسواق الأردنية ، ووفقاً للإحصائيات الصادرة عن "معهد السلام لاتفاقيات أبراهام "،العام الماضي ، فأن التبادل التجاري بين "إسرائيل" ، والدول العربية شهد ارتفاعًا ملحوظًا ، بعد اتفاق ابراهام الموقع بين الامارات وإسرائيل وامريكا عام 2020 ، والذي بموجبه اقامت الامارات علاقات سياسية واقتصادية مع إسرائيل ، فان التبادل التجاري بين الامارات والبحرين والمغرب وتركيا ارتفع بنسب غير مسبوقة ، وأصبحت الامارات مركز تسويق إقليمي للمنتجات الإسرائيلية ، وحملات المقاطعة الاقتصادية الأخيرة سوف تقضي على كل الفرص التي وفرتها أنظمة التطبيع ، التوقعات الاقتصادية تشير إلى أن المقاطعة الشعبية في الدول العربية والإسلامية لمنتجات الدول الداعمة لإسرائيل ستكبدها خسائر فادحة على المدى القصير والمتوسط والبعيد ، لان معظم هذه الشركات لم تكن معروفة الانتماء ، والكثير من العلامات التجارية العالمية يتم التعامل مع منتجاتها باسم وعلامة الشركة الام دون معرفة هويتها ، وتشبر التقديرات إلى أن هذه الحملة الواسعة للمقاطعة الاقتصادية سيتجاوز خسائرها على العدو عشرات المليارات من الدولار ، إن لم تتجاوز مئات البلايين من الدولارات ، ويقول المفكر الاقتصادي المصري أبو بكر الديب ، إن الخسائر التي قد تتعرض لها دول كأمريكا وكندا والاتحاد الأوروبي، نتيجة المقاطعة اعتراضاً على استهداف إسرائيل المدنيين في غزة، قد تصل إلى تريليوني دولار ، وأشار إلى أن حجم صادرات أمريكا للدول العربية والإسلامية يبلغ نحو 150 مليار دولار، وأن حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والدولة العربية والإسلامية زاد عن 300 مليار دولار خلال عام 2022، كما أن الصادرات الأوروبية إلى الدول العربية تعادل 3.7% من الصادرات الأوروبية الكلية، وربع صادرات إسرائيل العسكرية اقتنتها الدول العربية بحوالي ثلاثة مليارات دولار ، ووفقاً لهذه الأرقام ستكون الخسائر كبيرة جداً على البضائع الإسرائيلية والأمريكية .
وفي هذا الاتجاه، تشير بيانات المكتب الرئيسي للمقاطعة العربية في دمشق إلى أن الخسائر التي تكبدتها إسرائيل بسبب هذه المقاطعة أخذت في التراكم بمرور الوقت، حتى بلغ إجمالي الخسائر 90 مليار دولار منذ بداية المقاطعة في عام 1945م، وحتى عام 1999م، وذلك رغم اتساع الثقوب في جدار هذه المقاطعة الرسمي، وتكبدت الشركات الأمريكية والغربية في الدول العربية لخسائر كبيرة.
خسائر “كوكاكولا وماكدونالدز”
هناك عشرات السلع والمنتجات التي تم وضعها في القائمة السوداء من قبل الشعوب العربية والإسلامية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني ، ولكن خسائر “كوكاكولا وماكدونالدز” ، حتى الان الأكثر فداحة ، ويعود ذلك الى دور الشركتين في دعم الجيش الإسرائيلي في حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة ، فبعد السابع من أكتوبر ، اعلنت مجموعة ماكدونالدز تبرعها بوجبات مجانية لجيش الاحتلال الإسرائيلي بعد عملية طوفان الأقصى، وقالت الشركة عبر منصة “إكس”، “إنها تتبرع بنحو 4000 وجبة يوميًا لجيش الاحتلال الإسرائيلي”، لكن الرد جاء سريعا من المقاطعين حول العالم ، وكانت النتائج الأولية ، في اول أيام المقاطعة ، تكبدت شركة كوكاكولا وماكدونالدز، خسائر مباشرة فادحة ، وبحسب بيانات الشركتين في العاشر من الشهر الماضي ، فقد سهم شركة كوكاكولا 1.68% من قيمته السوقية ليسجل سعر السهم 52.8 دولار، مقارنة بقيمة فتح 53.76 دولار، وهبط سهم مجموعة شركات ماكدونالدز بنحو 1.89% من قيمته السوقية ببورصة نيويورك، وفقد السهم 4 دولارات من سعره ليسجل 246.18 دولار مقابل سعر افتتاح 251.38 دولار ، ومن المتعارف عليه اقتصادياً انه و بمجرد اعلان المقاطعة الاقتصادية للشركات الدولية ، فإن قيمتها السوقية تتراجع وتخسر عشرات المليارات من الدولارات، ومن الممكن انهيار بعضها بسبب المقاطعة الشعبية واستمرارها دون توقف بشكل كبير.
المقاطعة تهدد بزوال الرأسمالية
ولان سلاح المقاطعة الشعبية الاقتصادية يعد من أهم أدوات الشعوب لكبح أطماع الدول الكبرى، فان المقاطعة قادرة على فرض إرادة الشعوب، ودفع الدول والحكومات إلى العدول عن دعم وتشجيع دولة الكيان والتراجع عن دعمها، هذا السلاح الذي اجبر بريطانيا على الرحيل من الهند اثناء استخدامه كوسيلة من وسائل النضال السلمي، اجبر السويد العام الماضي على الاعتذار للامة الإسلامية واجبرت فرنسا على الاعتذار ، وستجبر أمريكا عما قريب على العدول عن دعمها لدولة الكيان ، وفي حال تجاهلها لهذه القوة الاستهلاكية القادرة على التمرد عن حكامها وعن سياسة دولها والاستمرار في المقاطعة ، فان البوصلة ستكون لصالح خصوم أمريكا الصين وروسيا اقتصاديا ، وعليها أن تختار مصالحها الاقتصادية مع ملياري عربي ومسلم متضامن مع الشعب الفلسطيني ، وبين كيان لقيط من مختلف دول العالم لا يتجاوز بضع ملايين ، فعدد منتجات الشركات الامريكية والبريطانية كبير في السوق العربي الذي يمثل نصف مليار نسمة، ولو استمر العدوان على قطاع غزة سوف تتواصل المقاطعة بأعلى وتيرة ، وستكبد الشركات الأمريكية المساندة للاحتلال خسائر فادحة وقد توصل الكثير منها إلى حالة الإفلاس الكلي ، ويصبح نتائج المقاطعة الشعبية من كافة العرب والمسلمين على الاقتصاد الأمريكي كارثياً يتهدد أمريكا بالنزول من فوق الشجرة لأول مرة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية ، وهو ما يعني ان طوفان الأقصى الاقتصادي يهدد الراسمالية بالانهيار ، لصالح دول البريكس التي اتخذت موقفاً متوازناً مما يحدث في قطاع غزة وتجنبت استفزاز مشاعر الامة الإسلامية .