يمن الحرية والاستقلال
العميد: محمد مفتاح الأبرقي:
تتجلّى مآثر ونضالات وتضحيات أبناء شعبنا اليمني الحرّ العزيز المستقلّ، وكفاحاته وصموده وثبات مواقفه في مواجهة الأخطار المحدقة به، والتحديات والمؤامرات التي تُحاك ضدّه من أي مسارات كانت، في تاريخه القديم والمعاصر وحتى المستقبل، وبرؤية وطنية خالصة، منطلقًا من عزيمته القوية وإرادته الصلبة وعزّة وكرامة أحراره الشرفاء.
فقيام الثورات اليمنية الشعبيّة التحررية في 21 و26 من سبتمبر و14 من أكتوبر و30 من نوفمبر، ما هي إلا دليل قطعي لا جدال فيه على هذه المبادئ والقيم المتجذِّرة في وجدان اليمنيين ومشاعرهم وثقافتهم وهويّتهم التي لا تقبل الغازي والمحتلّ على أرضها مهما حاول البعض تمهيد الطريق أمامه، وسيقدّمون التضحيات والدماء وأكلاف الأثمان في سبيل الحرية والاستقلال من مستعمر أجنبي بغيض، أو عميل وخائن تلفظه الأرض أو تهوي به الريح في مكان سحيق، ليتجسّد بذلك مبدأ "اليمن مقبرة الغزاة".
إن الحديث عن يوم 30 من نوفمبر يستحضر فينا أسمى المعاني والدلالات والعِبر؛ كون هذا اليوم يمثّل تجربة نضالية توّجت كفاحات شعبنا ضد الاحتلال البريطاني، الذي رحل آخر جندي له عن أرض الجنوب اليمني آنذاك، وسيظلّ هذا التاريخ راسخًا لدى أحرار اليمن في تلك المناطق المحتلّة حاليًا من قِبل قوى العدوان والاستعمار الجديد، والذين سيطردونه مهما كانت التحديات والصعاب، وإلى جانبهم إخوتهم الشرفاء الأحرار في المناطق الحرة الذين يمثّلون سندًا قويًا لهم.
لقد عانى أبناء شعبنا اليمني في الجنوب الويلات والقتل والانتهاكات في سجون الاحتلال البريطاني، ولكن بفضل الله سبحانه وتعالى، وكفاح ونضال الثوّار الأحرار الذين سطّروا أروع الملاحم الفدائية ضد المحتلّ البريطاني، تحقق الانتصار على الإمبراطورية البريطانية التي كانت تحكم أجزاء واسعة من الكرة الأرضية بلا منازع، وأُجبرَت على الرحيل تجرّ وراءها أذيال الهزيمة والخزي، ومغادرة كل شبر من المحافظات الجنوبية أذلّاء صاغرين.
نحتفل اليوم بذكرى 30 من نوفمبر، هذه المناسبة العظيمة والغالية على كل أبناء الشعب اليمني، والتي تؤكد أن الإرادة والعزيمة تهزمان المستحيل. فبعزيمة وثبات الأحرار الشرفاء الذين وقفوا في وجه المحتلّ البريطاني وعملائه، هم اليوم قادرون على طرد المحتلّ الأجنبي من قوى تحالف العدوان الأمريكي الصهيوني وأدواتهم في المنطقة من أنظمة التطبيع والخيانة: نظامَي آل سعود وآل زايد، ومن يدور في فلكهم من عملاء ومرتزقة الداخل، بل ودحرهم من مناطقهم المحتلة، خاصة وقد وصل الحال المعيشي في تلك المناطق إلى وضع كارثي ومتردٍ في الخدمات العامة ومتطلبات الحياة، إضافة إلى احتلال الفكر والإنسان والأرض وتقديمها لعدو الأمة هدية مقابل المصالح الشخصية والأطماع الذاتية. فها هي الأرض تُقضم، والجزر تُباع، والحقوق تُصادر، وتُنهب الثروات، وتُغرس الكراهية والمناطقية، ويُبثّ الفرقة والنزاع بين الإخوة في المحافظات المحتلة لتحقيق أجندات الأعداء ومخططاتهم.
ولعل ما تمرّ به بلادنا اليمن من مخاطر ومؤامرات مكشوفة يخطط لها أعداء الأمة وأدواتهم لتمزيق الوطن ونسيجه المجتمعي، لكفيل بأن يمنحنا من هذه الذكرى دافعًا معنويًا لمواصلة النضال والكفاح، كونها مدرسة عظيمة تستمدّ منها الأجيال دروس التضحية والفداء والشعور بالمسؤولية الدينية والوطنية في مواجهة أعداء الإنسانية وطغاة الأرض والطامعين في خيرات وثروات يمننا الحبيب.
إن ما تقوم به دول العدوان اليوم من عبث وتدمير وقتل لأبناء شعبنا في الجنوب، ما هو إلا امتداد وتنفيذ لاحتلال جديد تحت مسمى "دعم الشرعية". ولكن الشعب اليمني الحرّ الأبيّ، المعروف عبر التاريخ بتضحياته وبطولاته، لا يقبل من يريد أن تطأ قدمه أرضه الطاهرة. وكما استطاع تحرير أراضيه الجنوبية من المستعمر البريطاني في 30 من نوفمبر عام 1967م، فهو قادر على دحر الغزاة والمحتلين الجدد ومرتزقتهم عملاء الأمريكان والكيان الصهيوني، بفضل الله سبحانه وتعالى، وبفضل نضال وكفاح الرجال الشرفاء والوطنيين من أبناء هذا الوطن، وعلى أيدي أبطالنا الأشاوس من مقاتلي القوات المسلحة الميامين.
وبهذه المناسبة الوطنية الخالدة، نقدّم تهانينا لقائد مسيرتنا، قائد الثورة السيد المجاهد عبدالملك بدرالدين الحوثي ـ حفظه الله ـ وقيادتنا السياسية والعسكرية، ولكافة أبناء شعبنا اليمني العظيم على موقفه المبدئي والثابت في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، إسنادًا ونصرةً لإخواننا في غزة، وصموده وانتصاره. وإلى المجاهدين رفاق الدرب، أبطال القوات المسلحة في جميع جبهات العزة والشرف والكرامة، المدافعين عن اليمن ووحدته وسيادته واستقلاله. ومن نصر إلى نصر، والله الموفق.





