ملف الأسبوع

إستراتيجية الأمن القومي بين التحدي والغزو الخارجي

إستراتيجية الأمن القومي بين التحدي والغزو الخارجي

يمكن الاستفادة من الامتداد الجبلي لليمن في بناء ثوابت راسخة لمفهوم الأمن القومي
يتوقف صمود الدولة ضد العدوان والغزو الخارجي من الدول المجاورة لها على أهمية عمق النطاق الأرضي للدولة والذي يقاس بين الوسط الجغرافي الذي يجب أن تشغله

مركز صناعة القرار السياسي (العاصمة) وحدود الدولة او محيطها الحدودي ويعبر عنه بنصف قطر مساحة الدولة في شكلها الدائري وهو في علاقة طردية مع مساحة الدولة.
فمفهوم الأمن القومي يعني مجموعة من المبادئ الأساسية التي يجب أن تحافظ عليها الدولة في سياستها الإقليمية لتضمن لنفسها عدم المفاجأة أو تعرض كيانها وسيادتها للخطر وبهذا المعني فإن المفهوم لا يرتبط بخصائص النظام السياسي أو شخصية الحاكم او صور الممارسة السياسية فهو في جوهره استراتيجي إقليمي وبعبارة أخرى فإنه يشمل مجموعة من القواعد الحركية التي يجب على الدولة أن تحافظ على احترامها في كل وقت وحين وان تفرض على الدول المتعاملة معها مراعاتها كي تستطيع أن تضمن لنفسها نوعا من الحماية الذاتية والإقليمية.

علي الشراعي
لقد ظل الفقه السياسي على تنوع مدارسه يرفض تطبيق مفهوم الأمن القومي إلا على الكيان السياسي الذي يحمل مقومات الدولة المتمتعة بالشخصية القانونية في الأسرة الدولية. ومع ذلك فإن تاريخ العلاقات السياسية والدولية قد شهدت كثيرا من المحاولات التي تقوم بها الدول القوية لتوسيع هذا المفهوم الاستراتيجي الخطير بما يتفق وأهدافها التوسعية في محيطها الإقليمي بل وفي العالم وغالبا ما كانت الدول الصغيرة والضعيفة ضحية هذا التوسع الذي تلجأ إليه الدول الكبرى للحفاظ على مصالحها. ويعود استخدام مصطلح الأمن القومي إلى نهاية الحرب العالمية الثانية حيث ظهر تيار من الأدبيات يبحث في كيفية تحقيق الأمن وتلافي الحرب.. فالأمن القومي هو الإجراءات التي تتخذها الدولة في حدود طاقتها للحفاظ على كيانها ومصالحها ولعل أدق مفهوم للأمن هو ما ورد في القرآن الكريم في قوله- سبحانه وتعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِنْ جُوعٍ وآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ).. ومن هنا نؤكد أن الأمن هو ضد الخوف والخوف بالمفهوم الحديث يعني التهديد الشامل سواء منه الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي الداخلي منه والخارجي.

العمق الدفاعي
جغرافيا اليمن دولة ذات عمق دفاعي كبير نسبيا تتراوح بين 411 إلى 571كم ومما يؤكد على أهمية العمق الدفاعي للدولة ما حدث في غزو العراق للكويت 1990م وغزو الكيان الصهيوني للعاصمة اللبنانية بيروت في 1982م في سويعات قليلة جدا لقلة العمق الدفاعي للدولتين. ولاشك ان سيطرة الدولة على نطاقاتها البحرية التي ترسمها الحدود البحرية لها يضيف إلى نطاق سيادتها على الأرض عمقا دفاعيا هاما ويضيف إمكانية اوسع للكشف على الموارد المعدنية في قاع البحر وتنمية قطاع الصيد واستغلال موانئها كترانزيت للتجارة الدولية.
كذلك تعرف قوة الدولة بوزنها السياسي والعسكري بين المجتمع الدولي مما يتيح لها إحداث تأثير في السلوك الدولي يتفاوت حجمه بتفاوت قوتها السياسة والعسكرية وحصولها على مكاسب اقتصادية. وتعتبر قوة الدولة محصلة لمجموعة من الخصائص السياسة والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية كما تمنح القوة السياسة للدولة في حالة الحرب امكانية الدفاع والصمود البعيد المدى.

ركائز أساسية
تاريخيا كانت الحضارة اليمنية القديمة إحدى الحضارات المتطورة تطورا كبيرا في العصر القديم فموقع اليمن الاستراتيجي والجغرافي الفريد وخصوبة أراضيها كانت من العوامل الرئيسية التي أغرت القوى الطامعة فيها فقد أهلها ذلك الموقع للتحكم في التجارة التي كانت قائمة آنذاك بين الشرق الأقصى والسواحل الإفريقية والشرق الأوسط ومنطقة البحر الأبيض المتوسط إلا أن تلك الحضارة التي استمرت فترة طويلة ويفخر اليمنيون بإرثها آلت إلى الضمور والاضمحلال حتى انهارت تماما خاصة بعد سيطرة الرومان والبطالمة على طرق التجارة التي كان يتحكم فيها اليمنيون والتي كانت إلى جانب الزراعة القائمة على الري المنتظم أهم ركائز الحضارة اليمنية وبمرور الوقت بدأت عوامل الضعف والانهيار الحضاري تتراكم وتبرز آثارها السلبية على مختلف الأصعدة بحيث أصبح ذلك التدهور والضعف من ضمن العوامل الرئيسية التي أغرت الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية وكذا الأحباش بمحاولة السيطرة على اليمن بغرض الاستفادة من خيراته الوافرة وأراضيه الزراعية الخصبة واستثمار موقعه الممتاز لإحكام السيطرة على طرق التجارة عبر البحر الأحمر والمحيط الهندي إلى الساحل الأفريقي المقابل وبلاد الرافدين والشام ومصر وحوض البحر المتوسط. وبعد انهيار الدولة الحميرية اليمنية القديمة على يد الأحباش عام 525م وتهدم سد مأرب. وفي فترة لاحقة دخلت البلاد حلقة مظلمة في تاريخها فبعد أن كانت الحضارة المعينية والسبئية هي السائدة تحولت اليمن بعدها إلى ميدان للتنافس بين البيزنطيين والفرس. ومنذ ذلك التاريخ فإن نعمة التوحيد التي بنى اليمنيون في ظلها حضارتهم المشرقة قد زالت وحلت محلها الدويلات المتنافسة والمتناحرة.

ثوابت استراتيجية
ولا شك ان المتغيرات السياسية في المنطقة بداية التسعينيات قد حتمت البحث الجدي عن ثوابت استراتيجية تكون صالحة لبناء راسخ لمفهوم الأمن القومي اليمني في ضوء تلك المتغيرات ولنعد إلى التاريخ والجغرافيا والدور المستقبلي المطلوب الذي ينبع من خصائص اليمن الجيوبوليتكية (السياسية) وعناصر ومدركات المفهوم كي يحدد منطلقات دور اليمن الإقليمي عبر محاور عدة منها :
 اولا : بعد رسوخ دولة الوحدة اليمنية عام 1990م هل كان يوجد تفكير عملي ببناء أسطول بحري حديث مجهز بأسلحة حديثة لحماية الشواطئ والجزر اليمنية لقد أصبحت القوات البحرية تمثل أهمية ملحة ربما بشكل يفوق أهمية بناء الجيش البري نظرا لاتساع شواطئ الجمهورية على البحر الأحمر والبحر العربي والمحيط الهندي سيما وأن المتغيرات الدولية قد حملت أمريكا على نقل موقع الثقل في استراتيجيتها من غرب أوروبا إلى الخليج العربي والبحر الأحمر والمحيط الهندي ووسط آسيا وجرت معها كل القوى الطامحة والطامعة إلى هذه المنطقة الحساسة من العالم حيث الثروات والمال.
ثانيا : إلى أي مدى يمكن الاستفادة من الامتداد الجبلي لليمن في بناء ثوابت راسخة لمفهوم الأمن القومي وبالذات سلسلة الجبال في الشمال بمعنى أن يكون خط الدفاع الأول وأين يكون خط الدفاع الثاني في ضوء القيمة الاستراتيجية لتلك السلسلة الجبلية من واقع الأحداث التاريخية التي مرت بها اليمن منذ اول غزو في التاريخ القديم حتى وقتنا الحاضر بتعرضها للعدوان منذ ست سنوات.
ثالثا : علاقات اليمن مع محيطها الاقليمي فاليمن تحتل موقع مهم في خاصرة الجزيرة العربية التي تمثل بدورها أهمية قصوى في استراتيجيات القوى الكبرى وهي من حيث الطبيعة الجغرافية تمثل نقطة التقاء استراتيجي ومركزا مطلا على البحار المتحكمة الآن في تجارة البترول الدولية ومن هذا المنطلق فإن التلاحم بيت الأرض اليمنية وأرض الجزيرة العربية استراتيجيا.

مصدر التهديد
ان المخاطر الناجمة والعبء الكبير لليمنيين هو الدفاع عن المياه الاقليمية للدولة اليمنية ذلك ان أي وجود غير عربي في البحر الأحمر أو المحيط الهندي يمثل خطرا على الأمن الوطني لابد من الإعداد للتصدي له والتعامل معه بحذر لأن خطورته قد تمتد لتنال من وحدة الوطن وسلامة ترابه فالخطر سواء من الشمال او من البحر يضع في مخططه شطر الوطن وإعادة تقسيمه خاصة أن هناك اطرافا لا ترتاح لمنجز الوحدة اليمنية. ولتعزيز هذا المنطق نعود إلى الخبرة التاريخية لنرى من أين كان الخطر على اليمن وماهي المسالك التي كانت تستخدمها القوى الغازية والمحتلة للوطن اليمني؟. خاصة إذا ما تذكرنا بأن الكيان الاستراتيجي لليمن يعاني من جوانب ضعف استراتيجي من ناحية الامتداد الواسع للشواطئ التي يصعب الدفاع عنها بسبب طبيعتها المفتوحة التي لا تسمح بإعاقة القوى المهاجمة من البحر. فخبرة القرون الماضية تؤكد لنا ان الاحتلال الحبشي الأول لليمن قد تم عن طريق التمركز في السواحل المقابلة للشاطئ الافريقي بهدف السيطرة على الطريق التجاري البحري الذي يربط الهند بالبحر المتوسط عبر البحر الأحمر وهو نفس الطريق الذي سلكه البرتغالي لليمن مطلع القرن السادس عشر الميلادي خلال فترة حكم آل طاهر لليمن. ومن الأمور ذات الدلالة أن الملك الطاهري عامر بن عبدالوهاب قد تصدى للغزو البرتغالي ودخل معه في معارك عديدة حتى تمكن من التغلب عليهم وطردهم من عدن وسواحل تهامة لكنه لجأ في مجابهته للبرتغاليين إلى الاستعانة بالمماليك الذين كانوا بدورهم يطمحون في السيطرة على الموانئ اليمنية وجعل البحر الأحمر بأكمله تحت سيادتهم عن طريق السيطرة على باب المندب والتحكم في الملاحة عبر البحر الأحمر ولذلك سرعان ما انقلب المماليك على عامر بن عبدالوهاب بعد مراسله الإمام شرف الدين له فكان المماليك هم العامل الحاسم في إنهاء الدولة الطاهرية بعد أن تعرفوا على مواطن الضعف والخلل فيها ونفذوا من خلالها عندما تحركت قواتهم بقيادة حسين الكردي 1515م من ميناء جدة للتمركز في جزيرة كمران الاستراتيجية والانطلاق منها نحو الداخل فاحتلوا اللحية والحديدة وزبيد وتعز وعدن. وهنا تبرز اهمية التركيز على الجزر اليمنية والحفاظ على التواجد البشري فيها في كل وقت وحين وبأشكال مختلفة لأسباب استراتيجية واقتصادية وأمنية.
فالخلاصة الرئيسية التي يمكن الخروج بها من نهاية الدولة الطاهرية على يد المماليك تتمثل في استغلال القوات الغازية لضعف الاندماج الوطني والتكامل السياسي لمكونات الدولة الطاهرية فالتمرد المستمر لقبائل تهامة على الدولة الطاهرية مثل نقطة اختراق مثالية للمماليك بل إن ما يثير الألم أن شيخ اللحية أبا بكر الزيلعي لم يتورع عن تقديم المساندة للمماليك في احتلال مدينته وهو ما يقدم لنا نموذجا واضحا في أن ضعف الشعور بالولاء الوطني والبعد عن المشاركة السياسية عادة ما يصيب الجسد السياسي بالوهن والاهتراء من الداخل وهو ما يكون مقدمة لإغراء القوات المعادية بالتدخل واحتلال اليمن.
كذلك فان الوجود العثماني الأول بقيادة سليمان باشا عام 1538م قد بدأ بالسيطرة على عدن وزبيد أي استخدام المدخل الساحلي لليمن وهو نفس الطريق الذي استخدمته الحملة العثمانية الثانية عام 1849م وما لحقتها من حملات عثمانية متكررة لسيطرة على اليمن كانت تأتي من البحر.
وايضاً فالاستعمار البريطاني عام 1839م قد بدأ بواسطة الأسطول البحري الذي احتل عدن ومن ثم بدأ توسعه نحو الداخل في سياسة تشيه في توسعها ( نقطة الزيت ) حتى تمكن من ضم أراض شاسعة في نطاق سياسة تضم الأراضي اليمنية على مراحل متتابعة فيما بعد في إطار عدن والمحميات.

الخطر الوهابي
رغم أن الحركة الوهابية التي ظهرت في نجد مع نهاية القرن الثامن عشر الميلادي تعتبر حركة سلفية من حيث ارتكازها على محاربة البدع وزيادة القبور والتبرك بالأولياء والصالحين وغير ذلك من الممارسات الشعبية الموروثة كل هذا في نطاق ديني لم تأتي بجديد على المستوى الديني. لكن الذي يعنينا هو الجانب البارز والخطير في الحركة الوهابية والمتمثل في البعد السياسي وتحولها لدعوه سياسية وتحالف أمير الدرعية محمد بن سعود مع الشيخ محمد عبدالوهاب وإعلان الدولة السعودية الأولي عام 1746م واخذت طابعا توسعيا في فترات متعددة وشكلت خطر على الأمن القومي لليمن فقد سقطت مدينة الحديدة عدة مرات في أيديهم وحوصرت صنعاء عام 1808م ووصلوا إلى جزيرة سقطرى ومدينتي عدن ولحج وامتدوا شمالا نحو العراق ووصلوا الى عمان والخليج العربي وبدأوا بتهديد الملاحة بالبحر الأحمر والبحر العربي ومارسوا دعاية نشطة لأفكارهم داخل اليمن من خلال إرسال (الإخوان ) سنويا إلى مختلف المدن اليمنية..
ومع قيام الدولة السعودية الثالثة استهلتها بحرب 1934م بين اليمن والسعودية كان الاختراق المعادي للتراب اليمني قد تم من المناطق المحاذية للساحل فقد احتلت القوات السعودية حرض وميدي والحديدة بينما لم يقع هذا التقدم في الجهة الجبلية بل العكس فإن القوات اليمنية واصلت تقدمها في سلسلة جبال (السراة) في إقليم عسير ثم انسحبت القوات اليمنية المتقدمة من تلك المناطق ليس حرصا على حقن الدماء, بل نتيجة للطابع المتخلف للنظام الإمامي الذي أدى إلى تفتيت الوحدة الوطنية للبلاد فقد كان الشعب على استعداد للدفاع عن وحدة أراضيه ومتيقنا من حتمية الانتصار في تلك المرحلة إذا ما اظهر النظام أدنى تشبث بوحدة اليمن أرضا وشعبا.. ولعل اهم ما تمخضت عنه تلك الحرب من نتائج مريرة ما زال آثارها حتى الآن بل ما تشهده اليمن من عدوان غاشم ما هو الا استمرار لتلك الحرب التوسعية لآل سعود ومطامعهم في اليمن.. ولعل هذا ما يجعلنا نؤكد بان تلك الأثار الخارجية المترتبة على اليمن بعد حرب 1934م إنما كانت نتيجة طبيعية للسياسة الداخلية لنظام الحكم في ذلك الوقت.

حماية الأمن
فمن متطلبات حماية الأمن القومي تدعيم الاستقرار السياسي وبناء المؤسسات الحديثة وخلق نظام ديمقراطي حديث وهو عادة ما يعزز من قدرة الدولة في صراعها مع اعدائها ويمكنها من اختراق خصومها إذ لا يمكن لأي دولة ان تنتصر على القوى المعادية لها من الخارج طالما وأن هناك هوة بين الحاكم والمحكوم. ولابد لهذه المفاهيم أن تجد طريقها إلى التطبيق وذلك بتبني صيغة هيكلية متينة تحفظ للشعب اليمني وحدته وتحصنه من محاولات اختراق أمنه الوطني وحمايته من أي تهديد محتمل ولابد من امتلاك تصور واضح للأهداف الوطنية ولما يمكن كسبه في الجوانب الاستراتيجية والعسكرية كي لا يؤخذ الكيان السياسي على حين غرة وهنا تكون الخطورة التي صارت واقعا مأساويا بالعدوان على اليمن ليلة 26مارس 2015م وتعرض الامن القومي وسيادة اليمن لعدوان غاشم مازال مستمر منذ ست سنوات محاولا تحقيق اهدافه ومطامعه الاستعمارية وتمزيق اليمن والاستحواذ على ممراته المائية وسواحله وثروته الطبيعية وايجاد كيانات ضعيفة وهشة تكون اداة بيده لتمزيق وحدة الوطن وتغيب مفهوم أهمية استراتيجية الأمن القومي لوطن موحد.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا