الأخبار |

قواعد الصراع ومنطق الإيمان المنتصر.. العالم على حافة التعددية والحرب الكبرى

بقلم العميد القاضي الدكتور حسن حسين الرصابي/

(تجديد وإثراء مع مستجدات اليوم)

المدخل: الفرق بين الاشتباك القاتل ومنطق الانتصار

في خضمّ الصراعات المشتعلة، وعلى مسرح الصراع المتجذر في الشرق الأوسط، تتضح الثنائية الحاسمة التي تحدد مصائر الأمم: "قواعد الاشتباك" و "قواعد الصراع". يكمن الفرق الجوهري بينهما في هوة سحيقة تفصل بين عقلية الرضوخ والانهزام، وعقلية التحدي والمبادرة. هذا هو السر الحقيقي الذي يفسر الانبطاح العربي المخزي ويشرح الصمود التاريخي المقاوم.

قواعد الصراع ومنطق الإيمان المنتصر.. العالم على حافة التعددية والحرب الكبرى

بقلم العميد القاضي الدكتور حسن حسين الرصابي/

(تجديد وإثراء مع مستجدات اليوم)

المدخل: الفرق بين الاشتباك القاتل ومنطق الانتصار

في خضمّ الصراعات المشتعلة، وعلى مسرح الصراع المتجذر في الشرق الأوسط، تتضح الثنائية الحاسمة التي تحدد مصائر الأمم: "قواعد الاشتباك" و "قواعد الصراع". يكمن الفرق الجوهري بينهما في هوة سحيقة تفصل بين عقلية الرضوخ والانهزام، وعقلية التحدي والمبادرة. هذا هو السر الحقيقي الذي يفسر الانبطاح العربي المخزي ويشرح الصمود التاريخي المقاوم.

* قواعد الاشتباك (القاتلة): هي عقلية الرضوخ التي تحافظ على "سقف" منخفض للرد، وتلزم الفاعل بحدود الكيان الصهيوني وواشنطن، مما يبقيه مجرد رقم سالب في المعادلة.

* قواعد الصراع (منطق الإيمان المُنتصر): هي عقلية التحدي والمبادرة التي تسعى لفرض وقائع جديدة على الأرض وتغيير المعادلات الاستراتيجية، وهو ما تمثله اليوم قوى المقاومة.

إن العالم الآن على مفترق طرق بين هذه العقلية المنهزمة وتلك المُنتصرة، وهو ما يقود إلى التعددية القطبية أو الحرب الكبرى.

  1. العمق الاستراتيجي: الشرق الأوسط يرفض العودة إلى "ما قبل الطوفان"

يُشكل الشرق الأوسط حالياً بؤرة الصراع الدولي، حيث تتشابك مصالح القوى الكبرى مع منطق المقاومة الإقليمي. إن منطق الإيمان المُنتصر (قواعد الصراع) يجد تعبيراً عملياً في الساحات التالية:

* فلسطين والخرق الإسرائيلي: استمرار عملية "طوفان الأقصى" في فرض واقع جديد، حيث أدت المقاومة إلى كشف هشاشة "الردع الإسرائيلي" عالمياً. محاولات التهدئة المنقوصة، مثل اتفاق "سلام شرم الشيخ" الذي خرقته إسرائيل فوراً بمقتل أكثر من 200 مدني غزاوي، معظمهم من الأطفال، والنساء هي محاولات يائسة لإعادة الكيان إلى صورته ما قبل الطوفان. المقاومة ترفض ذلك وتصر على استغلال لحظة الضعف الصهيوني لفرض شروط تتجاوز حدود الاشتباك القديمة.

* لبنان (الهدنة الهشة): تتزايد وتيرة الخروقات الإسرائيلية، لكن قواعد الاشتباك الجديدة التي أرستها المقاومة في لبنان تمنع تحول التصعيد إلى حرب شاملة مفتوحة، إلا إذا قرر الكيان توسيعها. الوجود العسكري الإسرائيلي المكثف يعكس قلقه العميق من جبهة الشمال وخاصة بعد أمر الرئيس جوزيف عون للجيش بالتصدي للتوغلات الإسرائيلية.

* اليمن نقطة العقدة: أثبتت الساحة اليمنية، بفضل موقفها الاستراتيجي في دعم غزة، أنها "نقطة العقدة" في مخطط تسليم المنطقة لإسرائيل. السيطرة اليمنية على مضيق باب المندب يضعها في موقع استراتيجي لا يمكن للقوى الغربية تجاهله. وتتجه الأنظار نحو جزر اليمن الاستراتيجية حيث تتسارع مخططات بناء القواعد الأجنبية بمشاركة صهيونية، في محاولة لإحكام السيطرة على خطوط الملاحة الحيوية والحد من النفوذ اليمني المتصاعد.

* سوريا وأهمية الجغرافيا المستباحة: الجغرافيا السورية ما زالت مستباحة بضربات متصاعدة، وتستخدمها إسرائيل وأمريكا لاختبار قواعد اشتباك جديدة ضد قوى المقاومة، وتهدف لعرقلة أي تماسك إقليمي.

* الخيار الإيراني: إيران تُعتبر الهدف الأخير والأكبر لأجندة الشرق الأوسط الجديد. المناورات العسكرية المحدودة والعقوبات هي أدوات "استعراض القوة" الأمريكية في ظل إفلاسها، لكن واشنطن تدرك أن حرباً شاملة ضد إيران ستكون كارثة، خاصة في ظل انخراط حلفاء إقليميين (محور المقاومة) بشكل مباشر وفاعل.

* تطورات الأحداث التركية: تتصرف تركيا بحذر شديد، محاولة الموازنة بين عضويتها في الناتو وعلاقاتها المتوترة مع الغرب، والاستفادة من التصدع الغربي الأمريكي لتعزيز نفوذها كقوة إقليمية.

* الحرب السودانية: الحرب السودانية هي مثال واضح على الفوضى العالمية التي تدفعها قرارات واشنطن أو عجزها عن السيطرة. السودان، بموقعه الاستراتيجي، هو ساحة صراع للقوى الإقليمية والدولية (مصر، الإمارات، روسيا، أمريكا)، ما يعمّق أزمة الدولة ويخدم بشكل غير مباشر مشاريع تفكيك المنطقة.

  1. الصراع العالمي: العالم يتحوّل والفوضى تتسع

الحرب في أوكرانيا والصراع الأمريكي- الصيني هما المعارك المركزية التي تحدد شكل النظام العالمي القادم.

* الحرب الروسية الأوكرانية وتورط أوروبا: الحرب في أوكرانيا هي المعركة المركزية التي تسعى فيها أوروبا لـ "هزيمة الاتحاد الروسي" عبر الدعم العسكري المتواصل. هذا التوجه الأوروبي لا يهدف فقط لإلحاق الهزيمة بروسيا، بل يخدم أيضاً الأجندة الأمريكية لـ إضعاف روسيا وتحويلها إلى دولة هامشية، قبل التفرغ للهدف الأكبر (الصين). استمرار التصعيد الأوربي بإمداد أوكرانيا بأسلحة متقدمة ينذر بتورط مباشر ويدفع العالم نحو سيناريو التصعيد النووي المحدود أو حرب عالمية ثالثة.

* التوتر والحرب التجارية مع الصين: الصراع الحقيقي طويل الأمد هو مع الصين الصاعدة. تدرك واشنطن أن نفوذها الاقتصادي يتآكل (حصة أمريكا من الناتج العالمي تراجعت)، والصين هي القوة الاقتصادية والتكنولوجية التي تهدد بشكل مباشر الهيمنة الدولارية والغربية. الإجراءات الأمريكية هي محاولات يائسة لإبطاء الصعود الصيني. إن الرؤية الترامبية (أو أي زعيم) لن تغير الهدف الاستراتيجي الأمريكي: احتواء الصين.

* الفوضى في الأطراف: فشل الحوار بين باكستان وأفغانستان واحتمالية استئناف الحرب بينهما في الأيام القادمة، يضاف إلى فوضى الحرب العالمية. هذا السيناريو هو انعكاس للفوضى التي تخلقها واشنطن أو تسمح بها لخدمة أجندتها الأوسع في إبقاء العالم مشغولاً بالصراعات الثانوية بعيداً عن صراعها الرئيسي.

  1. الخاتمة: واشنطن.. تاجر مفلس يستعرض القوة

إنّ واشنطن، التي تُشبه "تاجراً مفلساً يحاول أن يتظاهر بعظمةٍ وقدرةٍ لم تعد موجودة"، تحاول عبر هذه المناورات والصفقات الصاخبة إبقاء نفسها في المشهد العالمي الذي فقدت نفوذها فيه وما المعاهدة الأخيرة مع الهند إلا واحدة من المحاولات، ولقاء الرئيس الأمريكي مع نضيره الصيني على هامش مؤتمر التعاون الأسيان والمحيط الهادي في كوريا الجنوبية لم يذيب الجليد، بل محاولة آنية .

الخلاصة هي أن العالم يتجه نحو مرحلة التعددية الحقيقية في موازين القوى. إن نجاح محور المقاومة في فرض "قواعد الصراع" هو مفتاح هذا التحول، وهو ما يسرّع من تآكل الأجندة الصهيونية ومشروع الشرق الأوسط الجديد.

تقييمات
(1)

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا