الشهيد لطف القحوم صوت الوطن والثورة والميدان الذي لايُنسى!
يحضر الشهيد لطف القحوم في الذاكرة الشعبية اليمنية كأغنية لاتموت وكصوتٍ خرج من أعماق القلوب ليحيا في ضمائر الأحرار،فلم يكن مجرد منشدٍ بديع الصوت،بل كان روحاً مجـاهدةً أشرقت باليقين،ومؤمناً لايعرف التراجع وحنجرةً ذهبيةً امتزج فيها الإيمان بالبـطولة حتى آخر نفس!
ميلاد النقاء
وُلد الشهيد لطف القحوم عام 1988م في أسرةٍ عُرفت بالكرم والأصالة،نشأ في بيئةٍ إيمانيةٍ نقية غرست في نفسه حبّ الخير والكرامة،منذ صغره كان صوته العذب الشجي يميّزه بين أقرانه، يحمل في نبراته بريقاً من صفاء الفطرة ووهج الإلهام،لم تكن الموهبة عنده مجرد جمالٍ صوتي، بل كانت رسالةً وروحاً تتحرك نحو العطاء!
من الموهبة إلى الميدان..
عندما اندلعت الحـرب الثانية على صعدة عام 2005م،لم يتردد لطف في ترك راحته والالتحاق بجبهات القتال. اتجه أولاً إلى منطقة نشور،ثم انتقل إلى جبهة الرحيب وذات السبيل، وقـ.اتل بثباتٍ وشجاعة وإستبسال للتصدي لقوات السلطة الظالمة حتى إنتهاء الحـرب،ثم خرج مع رفاقه إلى منطقة نقعة، رابط هناك بثبات،حتى افجّرت الحرب الثالثة عام 2006م، فكان في مقدمة الصفوف في هجرة فلة، حيث قاتل قتال الأبطـال في جبهة بني معاذ،وفي التصدي للزحوفات التي كانت تحاول التقدم في إتجاه منطقة مطرة، ثابتاً لا يعرف التراجع.
الـزامل الذي الهب حـمـاس الرفاق وهزّ قلوبهم..
بعد انتهاء الحـرب الثالثة أطلق الشهيد أول زوامــله، ما نبالي ما نبالي و اعلنواها حرب كبرى عالمية من كلمات الشهيد الشاعر عبدالمحسن النمري،وهو الذي خلد اسمه في الذاكرة الشعبية، وقد كان له وقعٌ هائل في نفوس رفاق الدرب، إذ تحول إلى نشيدٍ يزرع الصمود في القلوب ويبعث روح التحدي في ميادين المواجهة!
جرح الجسد لايُخمد روح الإيمان..
خاض الشهيد الحـرب الرابعة والخامسة والسادسة،وأصيب بشظايا عدة في أنحاء جسده،لكنه ظلّ ماضياً في الطريق الذي أختاره عن معرفة ووعي وقناعة تامة، فلم يعرف الراحة والسكون، وله الكثير من المواقف البطـولية المعروفة لدى كل من عرفه ولازالت أتذكر له أحد هذه المواقف العظيمة،حيث كنا في أواخر عام 2011م أثناء المواجهات ضد ميليشيات حزب الإصلاح في محافظة الجوف، حيث كان في مقدمة أحد الزحوف للتصدي لقوات الطرف الآخر التي تحاول التقدم،فكان صوته يُزمجر حتى يعلو على أصوات الرصاص، عندها وجه العدو نيرانه نحوه مباشرة واخترقت بعص الرصاص ملابسه دون أن يُصاب،فنجابأعجوبة!
إلاإنه عندما كان يخفت صوته من شدة التعب، كان صرخ جنود الطرف الآخر قائلين: “قتلنا مغردكم”، فيعود يزمجر بصوته الجبّار، فيستفزهم ويسقط آمالهم، ويرفع المعنويات لرفاقه إلى عنان السماء!
صوت الثورة وأغنية الوعي.
ومع انطلاق ثورة21 سبتمبر المباركة، كان لطف القحوم أحد أبرز رموزها المعنوية،وصوتها الأول،جاب الساحات، يلهب الحشود بزوامــله التي تحولت إلى وقودٍ للثورة، تبث الحماس والإيمان في نفوس الثائرين، فأصدر ألبوماتٍ إنشادية مؤثرة كان أبرزها “بالعشر ما نبالي”، فكان صوته كان سلاحاً ثورياً فعالاً، وكلماته كانت راياتٍ ترفرف في سماء الثورة!
الشهم الكريم الذي يتبع القول الفعل..
لم يكن لطف ممن يكتفون بالكلمة، بل كان يؤمن أن الإنشاد لا يكتمل إلا إذا تجسد في الميدان، كان يقول لمن يخاطبه: ان جبهته الإنشاد والـzوامل، فيرد عليهم بالقول يجب أن نجسد كل ما نقوله في الميدان فعلياً،ليبرهن أن الفنان الحقيقي هو من يجعل من صوته وعداً، ومن فعله تصديقاً لذلك الوعد، سجل آخر زامـل له بعنوان أشري يا هذه الدنيا جوازي”،ثم حمل سـلاحه وانطلق إلى جبهة صرواح بمحافظة مأرب، حيث ارتقى شهيداً في 14 فبراير 2016م،وعمره لم يتجاوز الثامنة والعشرين!
ثبات الجبال وإرث الخلود..
كان الشهيد القحوم رمزاً للثبات والصمود الأسطوري،وكلنا لا نزال نتذكر آخر فديو له في الجبهة في قمة جبل هيلان، عندماقال جملته الشهيرة، “ثابتون ثبات الجبال الرواسي، والله لو يزول جبل هيلان ما نزول"، وهذه الكلمات تصوير مكثف يجسد مسيرة حياته كلها؛ثباتٌ على المبدأ، وولاءٌ للحق، ويقينٌ لايتبدل!
ليترجّل الفارس عن صهوة جواده بعد مشوارٍ طويلٍ من البذل والعطاء، ليلتحق بركب الخالدين الذين لطالما اشتاق إليهم، تاركاً صوته يصدح في ذاكرة الوطن كنداءٍ لاينطفئ! رحل الجسد،لكن صوته باقٍ في وجدانٍ كل يمنيٍّ حر،وزوامـ.ـله لا تزال تلهب المـ..قاتلين وتستنهض الأحرار،تذكّرهم بأن الحنجرة التي غنّت للكرامة كانت في الأصل بندقيةً من نورٍ ووفاء!
لقد خُلد لطف القحوم في الذاكرة الشعبية الوطنية كصوت لايموت،وصار إسمه مرادفاً للثبات والإباء والولاء الصادق،لروحه الطاهرة الرحمة والخلود في عليين، برفقة النبيين والصديقين والشهداء.
الكرار المراني





