أخبار |

البحر الأحمر والاهتمام الأوروبي الاستعماري (11)

البحر الأحمر والاهتمام الأوروبي الاستعماري (11)

قراءة من كتاب البنيان المرصوص الجزء الثاني لمؤلفه العميد القاضي د \ حسن حسين الرصابي.

احداث البحر الاحمر في القرون الأخيرة نجملها في عدة نقاط  كمسيات :

أولاً : ضعف اقتصاد حوض البحر الاحمر خلال القرن التاسع عشر الى حد كبير ولايزال يعاني من المراوحة حتى اليوم .. بعد أن تحول الى بحيرة محمية وتقلصت التجارة والحركة فيه ولم تعد إلا بين موانئه فقط لنقل منتجات حوضه المحدودة وكان هذا المصير نتيجة أعمال التخريب التي اصابت ادواته من سفن وموانئ على يد البرتغاليين ثم سيطرة هؤلاء مع باقي القوى البحرية على مصادر تجارة الشرق وما صاحب ذلك من عنف وقرصنة بحرية فيما بينهم ادى إلى اضعاف النشاط التجاري في شواطئ البحر الأحمر .

ثانياً : المحاولات اليائسة لإعادة النشاط التجاري الى البحر الاحمر منذ أواخر القرن السادس عشر باء ت بالفشل نظراً للسيطرة الاوروبية على تجارة الشرق واختيارهم راس الرجاء الصالح ممراً بحرياً لتجارتهم .

ثالثاً : الجهود العثمانية في البحر الاحمر خلت من الجانب التجاري واعتمدت على الجانب العسكري مما جعل العثمانيين عبئاً على دول البحر الاحمر وهم كانوا قد جاءوا لمطاردة البرتغاليين في البحر الأحمر ..

رابعاً : ظل البحر الأحمر موضع اهتمام الدول الاوروبية نظراً لطول المسافة عبر طريق راس الرجاء الصالح خاصة بعد ان تمرد علي بك الكبير على الدولة العثمانية وسمح لفرنسا وبريطانيا بان تصل سفنها الى السويس بعد ان كانت جدة هي آخر محطات السفن الاوربية في البحر الأحمر .

خامساً :  اذا كان القرن السادس عشر بداية الانقلاب التجاري , فان القرن التاسع عشر كان بداية الانقلاب الصناعي وكما كان الانقلاب الاول بداية تغييرات اقتصادية وسياسية في حوض البحر الاحمر , فان الانقلاب الثاني كان أشد تغييراً وأعمق أثراً ليس في مصير البحر الاحمر فقط بل وفي مصير العالم كله وخاصة بعد أن تسارعت خطوات الانقلاب الصناعي منذ بداية القرن العشرين فقد تحول حوض البحر الاحمر من بحيرة محمية الى البحيرة المستعمرة بعد ان سقطت اجزاء كثيرة من تحت سيطرة دول اوروبية .. واصبح البحر الاحمر في خدمة الدول الاستعمارية.

سادساً :  جاء مشروع شق قناة السويس في العام 1854م وافتتاحها في العام 1889م ليحدث هزة كبرى في كيان البحر الاحمر وقاد ذلك الى احتلال بريطانيا لمصر عام 1882م واستمرت في ضم المحميات حول عدن .. فيما احتلت فرنسا ميناء أوبخ " أو يوك" عام 1884م لتقيم بعد ذلك مستعمرتها في جيبوتي , وسارعت ايطاليا الى احتلال ميناء عصب عام 1869م  ومن هناك بنت مستعمراتها في ارتيريا وفي العام 1895م , انطلقت بريطانيا من عدن لتحتل زيلع وبربرة الصوماليتين في عام 1884م واتجهت السلطة العثمانية الى السيطرة على صنعاء عام   1872م .

سابعاً :  الحضور الصهيوني في البحر الاحمر وأرخبيل سقطرى.  

ظل المراقبون والمهتمون لفترات طويلة ينبهون من المخاطر التي تأتي دوماً من البحر .. من الشواطئ اليمنية التي تزيد مسافتها عن الفين وستمائة كيلومتر .. وكثير من الدراسات استعرضت المخاطر العظيمة والمتكالبة على اليمن التي كانت تجد في الساحل الغربي وساحل بحر العرب منفذاً سهلاً للدخول الى اليمن واحتلاله أو على الاقل التواجد في مدن السواحل اليمنية وفي الاستحواذ والاحتلال للجزر اليمنية وهي بالمناسبة كثيرة .. مما يعني ويؤكد الحاجة الماسة لأي نظام حكم  أو دولة أن تولي القوات البحرية جل الاهتمام , من مختلف النواحي .. سواء الناحية التجارية والنقل البحري .. أومن الناحية العسكرية والتسليح والوسائل.. ويحسب هنا الموقف بالاهتمام بالجانب البحري الى الدولتين الرسولية والطاهرية التين اهتمتا في هذا الجانب وان كانتا أهملتا الجانب العسكري في انشاء اسطول بحري يحمي شواطئنا وما نراه اليوم من تفرعن قوي العدوان .. من استئساد من القوى الاقليمية والدولية , لأنها تعرف جيداُ ان اليمن دون قوة بحرية رادعة لذلك فهي تصول وتجول دون رادع أو وازع .. والاشكالية أيضاً .. ان بعض القطع البحرية التي كانت تملكها اليمن سارع العدوان السعودي وتحالفه العروبي الصهيوني الى توجيه ضرباته الغادرة إليها ودمرها تدميراً كاملاً .. ويحز في النفس ان نجد الاعراب الاجلاف من نظام بني نهيان وبني سعود ومن ورائهم الصهيونية العالمية المتمثل في أمريكا وبريطانيا .. وهم يجولون بأساطيلهم ومدمراتهم وسفنهم الحربية في خليج عدن وبحر العرب والبحر الاحمر وباب المندب والتواجد في الكثير من الجزر اليمنية وجزر الحوض وسواحله بضفتيه العربية منها والافريقية خدمتا مجانية للصهاينة لكن الايام دول .

ثامناً :  اليمن اليوم قررت ان تمتلك قوات بحرية قوية وخفر سواحل ومعدات بحرية رادعة .. ولن تسمح بان يعبث العابثون من أوباش التاريخ في مياهنا الاقليمية وبحارنا وغداً سيقول الكثير فانتظروا يا اعراب الارتهان والانبطاح للصهيونية العالمية ومن الاهمية بمكان لوا اقتبسنا هنا .. اشارات مهمة في 19ابريل العام 2018م قال الرئيس الشهيد صالح على الصماد عندما زار مدينة الحديدة والتقى بقيادتها ووجاهاتها : بلغنا معلومة مؤكدة ان الامريكيين هم المتبنون لعملية الحديدة, ربما بعد اسقاط الطائرة الامريكية يوم 12ابريل 2016م  , وهي اكبر دليل ان الامريكيين هم المتبنون لهذه العملية ..

وهي إشارة قوية على ان السواحل اليمنية هي مطمع للغزاة الامريكان والصهاينة الذين فقط اختاروا أدواتهم المحلية القذرة من سعوديين واماراتيين ومرتزقين رخيصين .. مرتزقة بالا جر اليومي والدفع المسبق ..

تاسعاً :  أساليب الاستعمار في لماضي والحاضر والمستقبل هي واحدة ونحن اذا ما عدنا الى الوثائق البريطانية والامريكية في عشرينات القرن العشرين فأننا نطلع على المزيد من المعلومات حول الاصابع البريطانية التي كانت تغذي الصراع وتوقد نيرانه خدمة لسياساتها الاستعمارية وتثبيتاً لتواجدها الاستعماري في عدن وفي الجنوب عامة .. مثلاً ما ترويه الوثيقة المرقمة برقم " 47" في 11مارس 1925م من القنصلية الامريكية وتتحدث الوثيقة عن حرب الامام يحيى مع يافع في الجنوب , وهو تسجيل موجز لمحادثة جرت بين القنصل الامريكي أو نائب القنصل الامريكي مع السلطان منصر بن علي سلطان قبائل العوالق الذي نزل الى عدن حينها ..

ويضيف : منطقة العوالق تشكل جزءاً صغيراً من اراضي يافع السفلى التي غزاها الامام يحيى ويقوم باحتلالها تدريجياً : ورد في تقاريرنا المرقمة( 38) و(41) في 21يناير و 24 فبراير1925م لقد أفضى السلطان منصر بعصبية لمثل هذه القنصلية بان تقدم الامام سريع ومؤكد رغم جهود اهل يافع المنسقة بالمساعدة البريطانية من عدن لكبح جماحه وأن شعب السلطان مع قبائل يافع الاخرى البعيدة عن جبهة القتال ينتظرون دورهم بكل بساطة .. وقال السلطان صراحة ولكن بمكر ان الغرض الوحيد لزيارته عدن هو حمل الذخائر البريطانية الى بلاده أملاً بان يؤخر الامام تقدمه اذا سمع بذلك .

ووصف السلطان العولقي طريقة الامام في الحرب بانها رهيبة وقاسية .. وانها ليست  كمثل أي حرب حدثت في شبه الجزيرة العربية , وطبقاً لما قاله السلطان منصر فانهم يندفعون كالذئاب الجائعة وهم يصرخون صيحة الانتقام مستخدمين اسم الامام يحيى كشعار لمعركتهم , وهم يطلقون النار جميعاً في نفس اللحظة ولا يتوقفون حتي يحققوا اهدافهم غير عابئين كلياً بالخسائر البشرية .. واكد السلطان ان اهل يافع في حالة من الفوضى المستمرة بسبب هذه الحرب الكاسحة حيث ان حماسهم فاتر اصلاً وليس لديهم الرغبة في الوفاء بوعودهم بالوقوف ضد الامام ومثل هذا التدخل البريطاني والامريكي في الصراعات اليمنية في الداخل اليمني كان هو السائد بل هو المغذي الحقيقي لنيران الحروب والاقتتال الداخلي في اليمن .. وهي سياسة انتهجتها بريطانيا وماتزال تتبعها الى اليوم .. تشهد بذلك وثائقهم السرية ومراسلاتهم ومآبين ايدينا هو النذر اليسير , وما خفي كان اعظم ..

القنصل الامريكي في برقيته هذه .. يواصل الحديث ويقول :

" السلطان أعلن عن نيته في التوصل الى أفضل الحلول الممكنة مع الامام عندما يصل جيش الامام الى حدوده , وبذلك سيمنع ما يبدو له خسائر لا جدوى منها في الرجال والسلاح " ان منصر لا يبدو وكأنه نوع من جبناء العرب انه لاشك يخاف الامام , ولكن خوفه يأتي من ادراكه لحتمية الهزيمة اذا ما تم الزج به في الصراع , وهو مستعد لان يقوم بتأييده لزعيم اليمن "الامام " بغرض تجنب صراع دموي غير مجدٍ . " يا ليت ويتعظ اليوم من يسير في ركاب دول العدوان " .

ويضيف :

إن هذه الوضعية تجسد ببساطة التناقض القائم بين التضامن داخل جيش الامام , وغياب العمل المنسق بين قبائل يافع وخلال المحادثة المشار أليها أعلاه  اعرب السلطان منصر بن علي عن أمله في النظرية بأن جيش الامام قد اصبح بعيداً جداً عن قواعد امداده في اليمن ليمكنه من مواصلة تقدمه كثيراً وكان يأمل ولو بكآبة في شهر رمضان خلال اسابيع سيؤدي الى إيقاف الهجوم لمدة شهر على الاقل .

الخلاصة ان كل صراعات اليمنيين يتدخل فيها طرف اجنبي أو ان من أشعلها دوماً الاجنبي تحت ذرائع شتى ..

وما كان ينطبق على الامس ينطبق على ما يجري اليوم الذراع الاماراتية والسعودية ومن خلفهما الصهيونية العالمية هي من تحرك الايادي العابثة اليوم في عسكرة البحر الأحمر وخليج عدن والساحل الغربي لليمن .. وهي من تقدم الأموال والدعم اللوجستي والاسلحة .. وغيرها .. هذه هي التدخلات السافرة التي كانت عنوان تلك المرحلة في تاريخ تللك المنطقة وفي تاريخ البحر ين العربي و الاحمر وموانئهما .

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا