كتابات | آراء

الفيلسوف "الشراعي".. كاتب وباحث تاريخي استثنائي

الفيلسوف "الشراعي".. كاتب وباحث تاريخي استثنائي

الباحث التاريخي والكاتب المتميز الزميل العزيز علي الشراعي، قلم لا يبارى ولا يجارى ، مفكر وناقد حاد البصيرة، واسع الثقافة، محب للاطلاع والكتابة التاريخية التي اثرى بها الوسط الإعلامي اليمني بما نشرته صحيفتا 26 سبتمبر واليمن من الأبحاث والدراسات والمقالات التي تناولت قراءات تحليلية تاريخية لحقب مختلفة من التاريخ القديم والوسيط والمعاصر،

وببراعته وثقافته الواسعة ربط بين الماضي والحاضر، ليكشف من خلال كتاباته مخططات الغزاة والمحتلين قديما وحديثا، مستندا إلى كثير من الوقائع والشواهد التي حصلت في كثير من دول وشعوب العالم.

ومما تميز به الكاتب والباحث الشهيد علي الشراعي هو أسلوبه في الكتابة والتحليل السياسي لأحداث التاريخ واسقاطها على الوضع الذي تشهده المنطقة لا سيما في الوطن العربي في ظل توسع الاطماع الصهيونية والصراعات والحروب.
لم تمر ذكرى أو حدث تاريخي على مستوى العالم إلا ويتناوله إما في تقارير صحفية أو عبر التعليق عليه في وسائل التواصل الاجتماعي.
كان ينبه ويدق جرس إنذار في كل ذكرى عالمية أو مأساة شهدتها الأمة العربية والإسلامية، فجعل من اليوم العالمي لحقوق الإنسان علي سبيل المثال مناسبة للتذكير بمأساة الشعب الفلسطيني وجرائم الصهيونية وخطرها على العرب وكيفية التصدي لها بشتى الطرق والوسائل، وتعزيز ثقافة المقاومة في نفوس الأجيال، فكتب عن كثير من الأحداث، وجعل من المناسبات العالمية محطة للتذكير بمأساة ومعاناة الشعب الفلسطيني، وكشف زيف حماية الحقوق والحريات التي تدعيها أمريكا ودول الغرب.
فالقارئ الحصيف لمقالات وتقارير الزميل علي الشراعي يمكن ان يستنبط ويقرأ ما بين السطور، ليخرج بحصيلة تجعله يقرأ الماضي والحاضر معا ويستشرف المستقبل أيضا عن كثير من الأحداث التي تتكرر بشكل لا يختلف عما حدث في الماضي حتى وان اختلفت بعض الوسائل والأساليب للاستعمار الجديد.
وفي كتاباته عن أطماع الغزاة والمحتلين في اليمن كان يفرد مساحة واسعة عن الأسباب والنتائج ويفسر مرد ذلك إلى ان الوجهة البحرية الواسعة لليمن وموقعه الاستراتيجي مثلت أبرز مطامع المحتلين قديما وحديثا.
ومن ضمن ما كان يراه ان السواحل اليمنية الطويلة هي الخاصرة الرخوة ومنها كان ينفذ الغزاة إلى مناطق مختلفة في اليمن بسهولة، ولذلك كان يوصي بأهمية إيلاء سكان المناطق الساحلية الاهتمام الكبير باعتبارهم الرديف المساند للقوات البحرية في صد الطامعين وافشال مخططاتهم.
لا نبالغ ان قلنا ان الزميل علي الشراعي كان موسوعة تاريخية وذاكرة وطن برع في مجال دراسة تاريخ اليمن بمختلف مراحله وشعوب العالم، وكتب وألف وساهم في كثير من الاطروحات التاريخية حول أهم القضايا التي تهم اليمن والأمة العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
فقد كشف من خلال كتاباته الكثير من خفايا التاريخ أو جانبه المنسي لا سيما فيما يتعلق بالفكر الاستعماري والعقيدة الصهيونية والامبريالية الأمريكية وجرائمها بحق الإنسانية منذ نشأتها وحتى وقتنا الحاضر.
عندما يجمعك لقاء به تشعر بأنك تخاطب التاريخ ويخاطبك من خلال علي الشراعي الذي لا تفوته شاردة ولا ورادة في التاريخ إلا يحفظها ويفسرها ويربط كثير الأحداث المشابهة لها حتى تخرج بحصيلة ثقافية ومعرفة ربما يجهلها الكثير من الباحثين الذي يفسرون ويحللون الأحداث آنيا ويتجاهلون البعد التاريخي والهدف السياسي وراء تلك الأحداث التي تشهدها كثير من البلدان العربية في ظل توسع أطماع الصهيونية وانتهاكها السافر لسيادة الشعوب بالعدوان المباشر.
ولذلك فقد مثلت الكتابات الهامة للشهيد التي نشرتها صحيفتا 26 سبتمبر واليمن وغيرها من الصحف والمواقع مرجعا مهما للباحث في التاريخ ولكل من يريد أن ينتهج السياسة فكراً أو عملاً.
وبالنظر إلى السيرة الذاتية للشهيد علي الشراعي الذي ينحدر من محافظة اب مديرية جبلة تجد انه كان متفوقا في دراسته الجامعية فقد حصل على الترتيب الأول على دفعته في قسم التاريخ- كلية الآداب بجامعة اب التي درس فيها التاريخ وتخرج في العام 2002م وتم ترشيحه ليكون معيدا في الكلية لكنه آثر ان يواصل دراسته العليا لتحضير رسالة الماجستير في التاريخ التي كان قد قطع شوطا فيها، إلا ان الظروف المعيشية أجبرته على تأجيل الدراسة والتفرغ للكتابة الصحفية والبحث التاريخي بهدف تحسين وضعه المعيشي ليعيل أسرته.
ولما كان يمتلكه الشهيد الشراعي من حصيلة معرفية وفكر وثقافة عامة وصفه الزملاء بـ "الفيلسوف". كنا في كثير من الأوقات التي تجمعنا به نطلب منه الحديث حول بعض من أحداث التاريخ ونجلس صامتين نستمع له وكأننا في احدى الفصول الدراسية، وإلى جانب كونه باحثا وكاتبا كان أيضا انسان مرهف الإحساس يغوص ويهيم في التراث اليمني إلى حد العشق.
في هذه السطور لا أستطيع ان أفي الزميل الشهيد علي الشراعي حقه فهو بحق كاتب وباحث تاريخي ومثقف قل ان نجد له نظير في الكتابة والتحليل السياسي للتاريخ وأحداثه.
عملنا معا في صحيفة 26 سبتمبر لسنوات مضت وكان أحد أعمدتها وباحثيها البارزين كان يجمعنا مكتب واحد نمكث فيه للعمل ونتجاذب أطراف الحديث عن السياسة والتاريخ الذي لا يخلو من الطرفة والحكمة في آن واحد.
رصيد كبير من الفكر والدراسات التاريخية التي نشرت في صحيفة 26 سبتمبر وموقعها الالكتروني والتي كان الشهيد الشراعي ينوي جمعها في كتاب يضم كل ما اختطه يده وجاد به فكره وثقافته وما دونه واقتبسه من المراجع والكتب التاريخية والثقافية.
وكما اسلفت فقد كان رحمه الله يعايش أحداث التاريخ ووقائعه ومآسيه ويواكبها بالكتابة والتحليل المستند إلى الشواهد التاريخية في أكثر من مرجع وكتاب إلى جانب قراءاته العميقة لكل حدث يتناوله حتى انه كتب عن أحداث الـ 11 من سبتمبر قبل استشهاده بيومين فقط ولم يكن يعلم ان يد الغدر والإرهاب الصهيوني ستطاله قبل حلول هذه الذكرى التي كتب عنها مستعرضا أساليب ومكر الامبريالية الأمريكية في اختلاق أعداء وهميين من أجل تنفيذ مخططاتها التدميرية في المنطقة والعالم.
وفي العاشر من شهر سبتمبر الجاري ارتقى الكاتب والباحث علي الشراعي شهيدا وهو في محراب صحيفة 26 سبتمبر يكتب ويحلل متسلحا بقلمه وفكره وثباته في نصرة الحق والدفاع عن قضايا الوطن والأمة العربية والإسلامية، لم نكن نتوقع يوما ما ان صحيفتي 26 سبتمبر واليمن ستطالها يد الإرهاب الصهيوني بكل هذه الوحشية وتغتال 31 صحفيا وإعلاميا بهذه البشاعة والحقد والاجرام بشن طائراته غارات جوية على مقر الصحيفتين ونسفه بعشرات الأطنان من القنابل الأمريكية الفتاكة التي تجاوزت قوتها التدميرية المكان لتطال سكان الأحياء المجاورة للصحفيتين الذين ارتقى منهم العشرات أيضا شهداء في جريمة مروعة وغير مسبوقة في تاريخ الصحافة في الشرق الأوسط.
مهما كتبت فإنني أجد نفسي عاجزا عن الإيفاء بحق الشهيد علي الشراعي فهو محاضر وكاتب وباحث تاريخي استثنائي خسرناه وخسره الإعلام اليمني في مرحلة كان الوطن في أشد الحاجة إليه وإلى قلمه وفكره المستنير.
في الختام لا يسعني إلا ان ابتهل إلى الله العلي القدير ان يتقبل الزميل الشهيد علي الشراعي وكافة الزملاء الذين ارتقوا مع الشهداء والنبيين والصالحين وحسن أولئك رفيقا.. إنه سميع مجيب.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا