طالبان في الميزان..!!
الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ترى أن أفغانستان هي الموقع الجيوسياسي الفريد عالمياً والاستراتيجي عسكرياً لمجاورته عدة دول فاعلة في الجغرافيا السياسية
بالرغم من افتقارهم الناحية الجيوبوليتيكية، إلا أنه أغرى الكثير من الدول العظمى على احتلاله، كروسيا وبريطانيا، وأخيراً الولايات المتحدة الأمريكية...
الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية دخلت أفغانستان بكل ثقلها وبقضها وقضيضها، وناسيةً أو متجاهلةً التركيبة القبلية والعشائرية المعقدة في أفغانستان، والمشاحنات والتحرشات والنزعات بين القبائل.. لعله من الغريب أن نجد الدعم القبلي والعشائري من بعض دول الجوار لجماعة طالبان، بالرغم من تزامن دخول القوات الأمريكية عبر أفواج كبيرة مع الآليات والأدوات والأسلحة الحديثة الى الأراضي الأفغانية، وقد صرح بذلك احد كبار العسكريين في عهد الرئيس السابق أوباما حيث قال: " بأن أفغانستان هي أعظم تحدياتنا العسكرية حالياً".. وفور تسلم الرئيس أوباما منصبه في البيت الأبيض شرع في إعادة تقييمه وخططه لمواجهة الأوضاع في أفغانستان.. فقرر زيادة عدد القوات الأمريكية الموجودة في أفغانستان بحوالي 17,000الف جندي بهدف فرض سيطرة عسكرية شاملة على كل ارجاء أفغانستان مع تدريب وتسليح قوات الجيش الافغاني وانشاء جماعات قبلية مسلحة مناوئة لحركة طالبان لخلخلة تلك الجماعة من الداخل.. وهذا ما سعت إليه إستراتيجية بايدن اليوم بخلق جماعات مناوئة من القبائل الأفغانية الرافضة لحكم طالبان، لإشعال حرب أهلية داخلية.. ولكن عندما شعرت الولايات المتحدة الأمريكية والرئيس بايدن بأن الزمن في غير صالحه.. وأن قوة طالبان أصبحت مدعومة من عدة دول وجهات موالية لها.. شعر الرئيس بايدن بأن الانسحاب أيسر الطرق للحفاظ بماء الوجه.. لأن مكوث القوات الأمريكية في أفغانستان قد يؤدي الى تأزيم الموقف.. وازدياد تكلفة الإنفاق .. والمرحلة لا تسمح خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية تمر بمرحلة اقتصادية استثنائية ولديه قضايا عالقة مع كثير من دول المنطقة والعالم.. ومما لاشك فيه ان سيناريوهات الأوضاع في أفغانستان متشابكة ومعقدة، وحافلة بالقضايا.. وقد تنحو نحو حرب أهلية ضروس.. لذا بقاء القوات الأمريكية في أفغانستان يعني المزيد من الخسائر المادية والعسكرية والبشرية، وهو أمر بالغ الصعوبة وقد يكلف اميركا دفع فواتير فوق المقرر المرصود له.. فتخشى أميركا السقوط في مستنقع الحرب المنسية، مما يسيئ الى سمعتها ومكانتها العالمية والأممية .. ولذلك انسحبت من أفغانستان.. انسحاب الخاسر الذليل.. حفاظاً على ما تبقى من ماء وجهها.. لذا لجأ الرئيس بايدن الى سياسة الحرب الناعمة والى أسلوب العصا والجزرة والدعم السري لتنظيمات قاعدية مناوئة لطالبان لضرب قواعد النظام من الداخل.
هناك خسائر مادية وعسكرية وبشرية مهولة مُنيت بها الولايات المتحدة الأمريكية في حربها مع حركة طالبان.. حوالي خمسة وعشرين ألف جندي أمريكي، غير النفقات العسكرية والفنية واللوجستية، التي تُقدر بالمليارات من الدولارات..
من هذا المنطلق آثرت الولايات المتحدة الأمريكية والبيت الأبيض برئاسة الرئيس بايدن، الانسحاب من أفغانستان، عندما شعر بأن عامل الزمن ليس في مصلحة أمريكا، خاصة في زمن الطفرة التكنولوجية الهائلة التي تتبناها الصين، وتغزو بها دول العالم.. فالمسرح العالمي اقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً حافل بالمفاجآت.. والتحديات..
فالمشهد السياسي الأفغاني مليء بالتحديات، والعقبات.. ومتشابك الرؤى، ومتباين الأيديولوجيات.. وهذا ما أربك إستراتيجية بايدن تجاه الوضع المتأجج في أفغانستان..
هناك تخبط في سياسة طالبان، فالأوضاع ما زالت غير مستقرة، والمستقبل مجهول، وأرصدة أفغانستان الخارجية مجمدة، وحكومة تسيير الأعمال غير قادرة على معالجة التردي الاقتصادي، والوضع الإنساني المتفاقم.. والدول الكبرى ما زالت متوجسة بما يدور وراء كواليس حكومة طالبان..
فالكل منتظر ساعة الصفر، من الحاكم الحقيقي..؟!
من يحكم أفغانستان.. ويرفع علمها الأصلي.. علم الحرية والاستقلال والرقي والتقدم..
• كلمات مضيئة:
تظل الخيارات والاحتمالات مفتوحة أمام الولايات المتحدة الأمريكية، ودول أوروبا في مواجهة تلك الجماعات المتطرفة دينياً وفكرياً أياً كان مصدرها وموقعها في العالم، لأنها تعتبرها ظاهرة خطيرة عابرة للحدود..
لذا لابد من مكافحة تلك الظاهرة قبل استفحالها، ووضع الأسس والسياسات الكفيلة للحد من انتشارها..
- أولها: الحسم العسكري في مواجهة تلك الجماعات المتطرفة دينياً وفكرياً أياً كان مصدرها..
- ثانياً: تصحيح وتقويم تلك الأفكار المضللة، والمغلوطة عن رسالة الإسلام، وهذه مسؤولية العلماء الأجلاء، والمناهج الدراسية التي تنأى عن العنف، والتعنيف، والتطرف الفكري والديني.. وخلق جيل متسلح بالمعرفة والفضيلة والأخلاق السامية بعيداً عن التعصب الأعمى..
- ثالثاً: تحسين البيئة الاقتصادية والاجتماعية، وتوسيع فرص العمل أمام الشباب، لأن الفراغ والفاقة، والفقر المدقع بيئة خصبة لتفريخ الإرهاب، والعنف، والتطرف والغلو..
- رابعاً: وأخيراً: تعزيز التعاون، والدعم المعنوي والمادي، والتنسيق بين الجهات الأمنية ودول المنطقة، والمجتمع الدولي والأممي لمكافحة ظاهرة الإرهاب بصفته مسؤولاً عن الأمن العام لكل شعوب دول العالم.. لأن ظاهرة الإرهاب ظاهرة عالمية، وتهم كل الدول، وهي ظاهرة عابرة للقارات والحدود، ومكافحتها تستوجب كافة الدول قاطبة..





