بن سلمان والاحتماء بأمريكا
المراهنة على النظام السعودي من قبل البعض لاتخاذ قرار لإنهاء معاناة الشعب اليمني، والذي كان هو السبب فيها، هي مراهنة خاسرة بالدرجة الأولى؛ لأنه ليس صاحب قرار سيادي أساسًا، وإنما ينفذ أجندات تُملَى عليه من قبل الدول التي صنعته وتكفلت بحمايته وتفرغت لنهب ثروات البلد التي يحكمها.
وعليه، لا يجب أن يعوّل اليمنيون على ما عُرف بخارطة الطريق الموقَّع عليها في سلطنة عمان قبل أكثر من عامين، والتي نتج عنها هدنة هشة أعطت النظام السعودي فرصة لالتقاط أنفاسه بعد أن كان على وشك الإذعان لإرادة الشعب اليمني الوطنية، ولم يحقق له التحالف الدولي بقيادة أمريكا أثناء عدوانه على اليمن طيلة ثمانية أعوام أهدافه الشريرة. وإن كنا كيمنيين لا نعفي أنفسنا من تحمل المسؤولية أو على الأقل المشاركة فيما يحدث لنا بسبب تدخل أسرة آل سعود في الشأن اليمني الداخلي، كوننا — كما قال الأمير الراحل نايف بن عبدالعزيز — نحن من يسعى إليهم، وليس هم من يسعون إلينا. وقد أكد هذه الحقيقة قادة جمهوريون كبار في مذكراتهم، على رأسهم القاضي عبدالرحمن الإرياني، والأستاذ محسن العيني، والدكتور حسن مكي وغيرهم رحمهم الله جميعًا، وحتى المشايخ الذين كانوا مرتبطين بالسعودية كعملاء ومرتزقة لا ينكرون هذه الحقيقة، والبعض منهم نادمون على تعاونهم مع السعودية ضد بلدهم.
وحتى على المستوى الدولي الذي تحدد مساره أمريكا بخصوص اليمن، فإن قرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة باليمن تصدر عادة وهي مُنتَفَة الريش ومقطّعة الأيدي والأرجل بسبب التدخل الأمريكي في شأنها وفرض الرؤية الأمريكية كعدو لليمن، كما حدث مؤخرًا عندما أُعيد تجديد العقوبات على اليمن، وهو ما يُعدّ في حد ذاته هزيمة للإدارة الأمريكية وأدواتها في المنطقة: السعودية والإمارات ومن تحالف معهما. وذلك لسبب بسيط يتمثل في أن هذه القرارات — وما أكثرها — تلغي ولو ضمنيًا القرار 2216 الذي صدر مع بداية العدوان على اليمن، وأنفقت عليه السعودية والإمارات المليارات لإخراجه إلى النور ليشرعن لهما عدوانهما الظالم والبربري ضد شعب لم يرتكب أي خطيئة في حقهما ولا يكن لشعبيهما في السعودية والإمارات إلا كل الود والاحترام.
وتأتي زيارة محمد بن سلمان للولايات المتحدة الأمريكية — وهي الثانية منذ تسلمه مقاليد الأمور في بلده نيابة عن والده الملك سلمان، الذي لا يُعرف مصيره إن كان حيًا أم ميتًا — لتصب الزيت على النار بالنسبة للعدوان على اليمن، في مقابل دفع التريليونات من أموال شعب نجد والحجاز لإدارة ترامب طلبًا للحماية. وقد تزامنت هذه الزيارة مع تصعيد إعلامي غير مسبوق ضد اليمن يرافقه تهديد بشراء السعودية أسلحة حديثة، بما فيها طائرات الشبح إف-35، لتنافس بها إسرائيل وتتحول إلى رأس حربة في المنطقة، والترويج بأن السعودية وقعت اتفاقيات استراتيجية مع أمريكا وأصبحت حليفًا لها. وهذا في الحقيقة أمر مضحك ومخالف للواقع؛ فمن يعرف السعودية جيدًا سيجد أنها أصلًا عاجزة عن أن تدافع عن نفسها مهما امتلكت من أسلحة وأسباب القوة الحديثة، بدليل أنها تستعين بالعملاء والمرتزقة من مختلف بلدان العالم ليقاتلوا بالنيابة عن جيشها، الذي لا تثق فيه وتخشى من انقلابه على نظامها لو اعتمدت عليه في عملية الدفاع عن نفسها. وهذا ما جعل جيشها — رغم ما تُنفِق عليه من أموال — جيشًا صوريًا تستخدمه للاستعراضات وقمع المعارضين.
إن الهجمة الإعلامية الشرسة والمضللة التي يقودها الإعلام السعودي والإماراتي ومن تحالف معهما، لاسيما بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي الأخير بتجديد استمرار العقوبات على اليمن وتشديد الحصار عليه، لن تزيد اليمنيين الشرفاء إلا قناعة وتشبثًا بنهجهم الذي اختاروه لأنفسهم دون وصاية من أحد، سواء على درب مواجهة العدوان وتحقيق الانتصار عليه، أو على درب البناء السياسي والديمقراطي والتنموي. وقد تحدثنا عن هذا الجانب بشكل تفصيلي في مقالات سابقة غير آبهين بكل تلك المخططات التآمرية التي تُحاك داخل الرياض وأبوظبي، واتخذت أشكالًا مختلفة؛ تارة بشن العدوان المستمر على اليمن منذ أكثر من عشرة أعوام، أو بالتخريب الاقتصادي وتهريب المواد الأساسية وفرض الحصار الجوي والبري والبحري وإغلاق المنافذ بهدف تضييق الخناق على المواطن اليمني ومحاربته في عيشه ومصدر رزقه، وتارة بشن الحملات الدعائية الكاذبة والتعبئة المضادة المكشوفة لليمن داخل السعودية، وغير ذلك من أساليب العداء التاريخي التي عادة ما تظهر عندما يحقق الشعب اليمني نقلة جديدة في حياته يتغلب بها على واقعه الممزق بفعل الظروف والأوضاع التي فُرضت عليه في الماضي بسبب التدخل السعودي في شؤونه الداخلية.
وكما هو معروف، فإن النظام السعودي في كل محاولاته التآمرية، سواء في الماضي أو الحاضر، وخاصة بعد قيام ثورة 21 سبتمبر الشعبية التي جاءت مصححة لكل الأوضاع السابقة، يراهن على حصان خاسر لتحقيق أهدافه، متجاهلًا أن شعبنا اليمني يدرك أبعاد المؤامرة والعداوة التاريخية التي يضمرها نظام آل سعود لليمن منذ أسسته بريطانيا في 23 سبتمبر عام 1932م؛ حيث شن أول حرب على اليمن بعد قيامه بعامين، واقتطع الأراضي اليمنية: جيزان ونجران وعسير التي كان يحكمها الأدارسة وتُعرف بالمخلاف السليماني. ورغم أن معاهدة الطائف التي تم التوقيع عليها عام 1934م بين النظام الملكي في اليمن آنذاك ونظام آل سعود المحمي بريطانيًا لم تفرط فيها وجعلتها نقطة ضعف للنظام السعودي، إلا أن قادة في النظام الجمهوري أتيحت لهم الفرصة لحكم اليمن بدعم سعودي سلموها للسعودية، إلى جانب أراضٍ أخرى خارجة عن معاهدة الطائف.
إن الحقد الأعمى يحجب عن آل سعود حقيقة أن الشعوب الحرة، مهما أثقلتها المعاناة والتدخل في شؤونها واستغلالها، فذلك إلى حين، وأن أساليب الفتنة وشراء ضعفاء النفوس وخلق أجواء تعكير الأمن والاستقرار قد ذهب زمنها وولى إلى غير رجعة. وأصبح الشعب اليمني — في ظل اعتماده على نفسه وتحرره من قيود التبعية للخارج التي كانت تكبّله — قويًا ومتماسكًا، ولن تزيده المؤامرات إلا صلابة وتحديًا في مواجهة العدوان والانتصار عليه. وقد جرّب ذلك أعداء اليمن التاريخيون في أكثر من موقف، وخاصة في الوقت الراهن الذي يتصدى فيه أبناء الشعب اليمني، ممثلين في قواتهم المسلحة بمختلف أفرعها، لعدوان جائر في مختلف الجبهات داخل اليمن وخارجه؛ حيث تمت مواجهة أمريكا وإسرائيل بشكل مباشر وتمت هزيمتهما بفضل الله، وهو ما لم تقم به أي دولة عربية أو إسلامية رغم امتلاكها لجيوش جرارة مجهزة بأحدث الأسلحة، ولكنهم كالنعاج أمام أعداء العروبة والإسلام، وموقفهم مما حدث ويحدث للشعب الفلسطيني في قطاع غزة أنموذجًا.





