هل تتحول حضرموت إلى ولاية أمريكية؟
تتسارع التحركات الأمريكية البريطانية في محافظة حضرموت المحتلة بوتيرة غير مسبوقة، ما يثير تساؤلات حول طبيعة هذا الحضور المتزايد، وما إذا كانت واشنطن ولندن تسعيان فعليًا لتثبت السيطرة عليها واستعمارها لموقعها الاستراتيجي، فيما يذهب البعض للقول ان طموح واشنطن أكبر من ذلك، فهي تحلم بتحويلها الى ولاية أمريكية.
وتشهد المحافظة الغنية بالنفط والغاز مواقع انتشار أمريكية جديدة، تتركز بشكلٍ خاص في مطار الريان ومنشآت النفط في وادي حضرموت، حيث تتواجد قوات أمريكية مزودة بمعدات مراقبة ورادارات وأجهزة استخباراتية متقدمة، وسط ترتيبات إعادة تفعيل المطار كقاعدة عسكرية مغلقة، حيث يؤكد شهود عيان أن طائرات شحن عسكرية تهبط باستمرار في مواقع حساسة بالقرب من حقول المسيلة، فيما تم نشر فرق أمنية أمريكية داخل خطوط الإنتاج والتخزين.
ويتجاوز هذا الوجود العسكري الأمريكي ذريعة "مكافحة الإرهاب" التي ترفعها واشنطن منذ عقود، ليكشف عن هدف مباشر يتمثل في وضع اليد على الثروة النفطية والغازية لليمن، والسيطرة على موانئ بحر العرب، خصوصًا ميناء الضبة الذي يشكل نقطة تصدير رئيسية وعصبًا اقتصاديًا لحقول حضرموت، إضافة الى منح واشنطن سيطرة نارية متواصلة، كون حضرموت تطل مباشرة على بحر العرب، ومطار الريان يتحول إلى برج مراقبة لحركة الملاحة العالمية، حيث تسعى واشنطن إلى إنشاء شبكة قواعد عسكرية صغيرة داخل حضرموت تعمل وفق "البصمة الخفية"، إذ يتم نشر قوات محدودة مع تقنيات مراقبة واستطلاع عالية الدقة دون إعلان رسمي، بهدف التحكم في الممرات البحرية الممتدة من بحر العرب إلى باب المندب.
أطماع سعودية أمريكية مشتركة
ومن ضمن التحركات والزيارات السابقة للمسؤولين الأمريكيين كانت زيارة السفير السابق ستيفن فاجن، الذي عين مؤخرا مسؤولا لمجلس التنسيق المدني بغزة، فكانت زياراته للمحافظة تأكيدا على حجم الاهتمام الأمريكي بالمحافظة الواقعة تحت سيطرة تحالف العدوان السعودي الإماراتي وأدواتهما من الخونة والعملاء اليمنيين.
وخلال زياراته، كان فاجن يركز بوضوح على إعادة رسم خارطة النفوذ في المنطقة، لاسيما مع كثافة الاجتماعات مع مشايخ حضرموت وقيادات من الخونة والعملاء، وهو ما اعتبره سياسيون جزءًا من ترتيبات أمريكية سعودية لإعادة تشكيل السلطة المحلية ضمن مخطط فصل حضرموت عن اليمن، لا سيما في ظل مخطط محاولات الرياض إعادة إحياء مشروع "الإقليم الشرقي" أو "دولة حضرموت" لكن بصيغة جديدة ترتكز على دعم أمريكي مباشر.
وتشير المعلومات إلى أن الرياض تجري مفاوضات غير معلنة مع مكونات حضرمية موالية لها، برعاية أمريكية، في محاولة لإعادة ترتيب الملف السياسي بما يتيح لواشنطن نفوذًا واسعًا في المحافظة، ويحقق للمملكة حلمها القديم في ضم محافظة ثمود النفطية إليها.
ويخدم هذا الانتشار المشروع الأمريكي الصهيوني المشترك الرامي إلى إعادة رسم خارطة النفوذ في البحرين الأحمر والعربي والمحيط الهندي، خصوصًا مع ازدياد التعاون العسكري بين أمريكا وكيان العدو في هذه المناطق الحساسة.
بريطانيا على خط المنافسة
وهنا لا تتحرك واشنطن منفردة في حضرموت؛ فبريطانيا بدورها دخلت بقوة على خط السباق الدولي للسيطرة على المحافظة، فقد عقدت السفيرة البريطانية عبدة الشريف مؤخرا لقاءات رفيعة في الرياض مع قيادات خونة موالية لتحالف العدوان السعودي الإماراتي تحت يافطة "مناقشة الأوضاع في حضرموت”، وهو عنوان دبلوماسي يخفي اهتمامًا بريطانيًا قديمًا ومتجددًا بالنفط الحضرمي، وبثروات الغاز، والموقع البحري الذي يُعد امتدادًا طبيعيًا لمصالح بريطانيا في البحر العربي.
وتسعى لندن لإعادة موطئ قدم لها في الشرق اليمني، خصوصًا بعد أن أصبحت الإمارات والسعودية بوابة النفوذ الأجنبي في المحافظات المحتلة، حيث تكشف الأحداث أن الأطماع الدولية في حضرموت ليست وليدة اللحظة، بل تعود إلى الستينيات حين تعاون الاحتلال البريطاني مع شركة "بان أمريكان" للكشف عن الاحتياطيات النفطية الهائلة في صحراء ثمود، ومنذ ذلك الوقت، ظلت حضرموت هدفًا دائمًا للنفوذ الأمريكي البريطاني، فيما حاولت السعودية مرارًا ضم أجزاء من المحافظة إلى أراضيها.
وفي الوقت الذي تواصل فيه واشنطن تعزيز وجودها العسكري، يقدم تحالف العدوان والاحتلال تسهيلات كبيرة للقوات الأمريكية طمعًا في النفوذ أو الأموال، وهو ما يشكل خطرًا جسيمًا على مستقبل المحافظة وسيادتها، وتؤكد صنعاء مراراً وتكراراً أن حضرموت تواجه اليوم احتلالًا أمريكيًا مكتمل الأركان، وأن الشعب اليمني لن يقبل بأي وجود أجنبي على أراضيه، وأن مواجهة هذا الاحتلال واجب وطني لا يقل أهمية عن مواجهة العدوان في بقية المحافظات.
المسيرة





