بالعصا والجزرة.. واشنطن تبيع الوهم للرياض

تنتهج الولايات المتحدة الأمريكية سياسة "العصا والجزرة" مع الأنظمة العربية وتفرض عليها أجندات تخدم مصالحها ومصالح كيان الاحتلال الصهيوني عبر ضغوط وتهديدات تحت مسمى حماية الحقوق والحريات ومكافحة الإرهاب فيما يتمثل الهدف الأبعد في استمرار الهيمنة والنفوذ الأمريكي على منطقة الشرق الأوسط

بالعصا والجزرة.. واشنطن تبيع الوهم للرياض

ونهب ثروات الشعوب العربية على وجه الخصوص وجعلها منطقة صالحة ومهيأة لتمدد كيان العدو فيها عبر وسائل وطرق شتى يأتي في مقدمتها التدخل العسكري وفرض الحصار والعمل على إثارة الفتن وتغذية الصراعات بين الأنظمة العربية لتخسر جميعها وتربح الإمبريالية.

26 سبتمبر – خاص
ووفق هذه السياسة توجه إدارة البيت الأبيض قادة الأنظمة العربية إلى حيث تريد، ففي حين تكون الجزرة طُعماً تظل العصا هي الأداة الملموسة والأكثر تأثيراً في تحديد الطريق الذي يجب أن يسلكه القادة العرب والذي ينتهي بهم في نهاية المطاف إلى نفق مظلم يصعب عليهم الخروج منه.
فما يتعرض له ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من ترغيب وترهيب من قبل الرئيس الأمريكي ترامب يعكس بوضوح أن النظام السعودي بات في مأزق يصعب عليه الخروج منه دون دفع الثمن الباهظ على الشعب السعودي وعلى اقتصاده الذي بات رهينة بيد أمريكا تعبث به كيفما تشاء.

أرقام فلكية
أكثر من أربعة تريليونات دولار كانت حصيلة زيارة ترامب في أوائل شهر مايو من العام الجاري 2025 عقب فوزه بولاية ثانية حيث شملت الزيارة كلاً من السعودية وقطر والإمارات التي وقع خلالها اتفاقيات تحت مسميات استثمارات وتعاون مشترك في مجالات مختلفة يأتي في مقدمتها الحماية والتسليح الذي عادة ما يحظى بالرقم الأكبر من بين بقية القطاعات الأخرى.
وبغض النظر عن تفاصيل الصفقة الرابحة التي حصل عليها ترامب إلا أن ما يحصل يراه الكثيرون أنه يندرج في سياق النهب المنظم للمال الخليجي.

مأساة
في حين يعكس الواقع مأساة تلك الدول التي تقدم الهدايا والشيكات المفتوحة لترامب الأرعن الذي لم ولن يقدم لها شيئاً خاصة في التعاون الأمني وحماية سيادتها التي تعهدت بها واشنطن ولا تزال. وخير مثال على ذلك قيام كيان الاحتلال الصهيوني بانتهاك سيادة قطر بالطائرات التي قصفت مقر وفد قادة حركة حماس المفاوض في قلب العاصمة القطرية الدوحة بتاريخ 9 سبتمبر المنصرم.

قانون الغاب
البلطجة التي يظهر بها ترامب وامتهانه للأنظمة العربية تثير السخرية والضحك في آن واحد على حال من يسمونهم ملوكاً وقادة وزعماء أمام هذا التاجر الجشع الذي وصل إلى البيت الأبيض وبات يُذيقهم سوء العذاب ويلعب باقتصاد دول كثيرة حول العالم مستخدماً قانون الغاب الذي تلاشت أمامه كل المسميات (حقوق إنسان، حرية رأي، عدالة، ديمقراطية، أمن واستقرار، قانون دولي) وغيرها.
وتحت مسمى الاستثمار والحماية بات ترامب ومن قبله الإدارات السابقة تبيع وهم القوة لدول الخليج فيما يتم خذلانها في وقت الحاجة إلى دعم لكنها تقدم لها الدعم اللوجستي والمشاركة أيضاً في خوض حروب عبثية بينية تهدف من ورائها أمريكا إلى تحقيق مصالحها وأرباحها عبر بيع صفقات أسلحة بمئات المليارات من الدولارات.

ورطة بن سلمان
من خلال تحليل موجز لزيارة بن سلمان لواشنطن وبهرجة الظهور والاستقبال الذي حظي به ودفاع ترامب عنه خلال المؤتمر الصحفي وتبرئته من دم الصحفي السعودي جمال خاشقجي، يوحي ذلك بأن ترامب أراد أن يقول لابن سلمان: "أنت مذنب ومدان، وأنا بيدي أن أضع لك مخرجاً من هذه الجريمة".
كما يتضح من خلال التصريح الذي حاول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الظهور من خلاله بمظهر القوي والحريص على مصلحة بلده، وهو أن استثماره في أمريكا بمبلغ تريليون دولار ليس الهدف منه إرضاء أمريكا ولا إرضاء رئيسها ترامب حسب قوله وإنما وفق أجندة تخدم سياسة الاقتصاد السعودي. لكنه بهذا التصريح الذي أراد أن ينفي به تهمة الخيانة التي يوصف بها أثبت وفق نظرية "نفي النفي إثبات" أن حديثه يثبت العكس تماماً.

أوراق ضغط
لا تزال هجمات الحادي عشر من سبتمبر وقضية مقتل خاشقجي من الأوراق التي تضغط بها واشنطن على النظام السعودي إن لم يوظف القدرات الاقتصادية السعودية ومنها النفط لصالح الاقتصاد الأمريكي بأي شكل من الأشكال سواء عبر شراء الأسلحة أو الاستثمار في أي من القطاعات الأخرى. المهم أن تحصل واشنطن على المال الذي يراه ترامب أكبر صفقاته الرابحة خلال فترة حكمه.

هجمات 11 سبتمبر
إلى ذلك، وُضع بن سلمان في زاوية ضيقة بعد مرور ربع قرن على هجمات 11 سبتمبر التي لم يكن حينها في موضع المسؤولية كما وقع في حادثة مقتل خاشقجي. سألت صحافية أمريكية الأمير عن هجمات 11 سبتمبر 2001 التي مضى عليها زهاء ربع قرن وعن شعور أهالي الضحايا السلبي تجاه السعودية فعلق بن سلمان قائلاً: "أشعر بالألم بشأن عائلات الضحايا، لكن تحقيقات المخابرات الأمريكية أكدت أن أسامة بن لادن استخدم السعوديين من أجل ضرب العلاقة بين البلدين".
ولفت إلى أن السعودية أجرت تحقيقاتها في ذلك الوقت، وقامت بكل المطلوب منها، وأجرت تغييرات لضمان عدم حدوث هذا الأمر مرة أخرى.
من خلال هذه الإجابة يؤكد بن سلمان ضلوع سعوديين في هجمات 11 سبتمبر، مما يجعل الرياض أمام مسؤولية الهجمات وقضايا التعويض لأسر الضحايا، حسب ما ذكرت الصحفية الأمريكية في سؤالها.
ويرى محللون أن هاتين الورقتين (خاشقجي و11 سبتمبر) من أوراق الضغط التي تمارسها واشنطن على النظام السعودي، وعلى وجه الخصوص ولي العهد محمد بن سلمان، لتحقيق أهداف الصهيونية.

هل تحصل الرياض على طائرات إف-35؟
إفراد مساحة واسعة في وسائل الإعلام الأمريكية والغربية والإسرائيلية للحديث عن نية إدارة ترامب بيع 50 طائرة إف-35 قد يندرج في إطار تصوير بن سلمان بأنه قد نجح في زيارته هذه بتوطيد العلاقات الدفاعية التي جعلت من السعودية حليفة لأمريكا من خارج الناتو، وأن مبلغ التريليون دولار الذي سيتم استثماره في أمريكا سيكون ناجحاً.
وفي المقابل، فإن بيع واشنطن 50 طائرة حربية من طراز إف-35 لا يزال محل شك وجدل في الأوساط الأمريكية، وعلى الأرجح أن هذا الطُعم سيكون ثمنه التطبيع مع كيان العدو الإسرائيلي، ولن تحصل الرياض على طائرات إف-35 المتطورة بنفس المواصفات التي يمتلكها كيان العدو.
من الاحتمالات الأكثر حدوثاً أن الكونغرس قد يعرقل إصدار تراخيص التصدير حتى لو وافق الرئيس ترامب عليها، إذ يبدي العديد من أعضاء الكونغرس حذراً شديداً من المساس بتفوق "إسرائيل" العسكري، وهي حليف رئيسي للولايات المتحدة.
حيث يعد كيان العدو الصهيوني الوحيد الذي يمتلك طائرات إف-35 في منطقة الشرق الأوسط، ووفقاً للقانون الأمريكي يجب على واشنطن ضمان الحفاظ على ما يعرف بـ"التفوق العسكري النوعي" لإسرائيل على الدول الأخرى في المنطقة.
ومن المرجح أن تأتي طائرات "إف-35" التي تُباع للسعودية مزوّدة بقيود برمجية تجعلها أقل قدرة من تلك التي يستخدمها الجيش الأمريكي. وأشار رئيس سلاح الجو الإسرائيلي السابق، إلياهو، إلى مثال سابق لصفقة بيع طائرات إف-15 الأمريكية للسعودية، حيث تم "تحييد" بعض أنظمتها بعد مشاورات أمريكية مع الإسرائيليين.
وهناك أيضاً مثال آخر على بيع أسلحة غير فعالة للسعودية ومنها طائرات الأواكس التي تسلمتها في عام 1980م وقد عارضت إسرائيل بيعها لكن بعد التشاور معها تم تجريد الطائرات الخمس من التكنولوجيا الحديثة في الرصد والتتبع الحديث بحيث أصبحت أقل عملاً مقارنة بما كانت عليه قبل سحب الأجهزة الحديثة منها حتى إن أحد الكُتاب الأمريكيين وصفها بأنها أصبحت شبه "حافلة".

تعثر الصفقات
على الأرجح أن الصفقة إذا كُتب لها النجاح ستكون ناقصة من حيث مستوى التطور في تكنولوجيا الطائرات، في حين تشير الدلائل إلى أن هذه الصفقة قد تتعثر وتكون مثلها مثل الصفقة الإماراتية التي تمت بعد توقيع التطبيع مع كيان العدو الصهيوني في عام 2020.
ومع ذلك لا تزال الصفقة إلى حد اللحظة وبعد خمس سنوات من التطبيع مع الاحتلال، لم ترَ النور. وكانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد أخطرت الكونغرس ببيع أسلحة بقيمة 23 مليار دولار إلى الإمارات، تشمل طائرات "إف-35" وطائرات مسيرة وذخائر مختلفة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وجاء ذلك بعد شهرين من توقيع الإمارات اتفاقيات "أبراهام" للسلام مع كيان العدو .
وفي الساعات الأخيرة من رئاسة ترامب، وقعت الإمارات صفقة شراء ما يبلغ 50 طائرة مقاتلة هجومية مشتركة من طراز "إف-35" من الولايات المتحدة، لكن إدارة بايدن أمرت بإيقاف الصفقة مؤقتاً وإخضاعها للمراجعة.
وهذا ما قد يحصل مع السعودية، فقد تنزلق إلى التطبيع المجاني مع الاحتلال دون أن تفرض على واشنطن والكيان قبول حل الدولتين الذي طالما روجت له في كثير من المحافل الدولية.
لكن حسب العقيدة الصهيونية التي تجدد تأكيدها قيادات حكومة الاحتلال فإن إقامة دولة فلسطينية لن يتم لأن أطماع الصهيونية تتجاوز الأراضي الفلسطينية المحتلة لتضم أجزاء من دول عربية أخرى، من بينها السعودية التي بينها خريطة ما يسمى "إسرائيل الكبرى". حتى إن إسرائيل ترى في التطبيع مع السعودية غير مهم ما دام يشترط حل الدولتين. وهنا يتساءل كثير من المحللين: "على ماذا سيكون التطبيع؟ وهل تلحق السعودية بالإمارات؟

ابتزاز
من خلال قراءة تحليلية للسياسة الأمريكية فإن إدارة ترامب ومن قبلها الإدارات السابقة عادة ما تبتز الأنظمة العربية وعلى وجه الخصوص الغنية باستخدام أوراق ضغط من بينها (حماية الحقوق وصون الحريات ومكافحة الإرهاب)، والتي ربطتها بهجمات 11 سبتمبر ومقتل الصحفي السعودي خاشقجي وغيرها من القضايا.
وبهذا تظل سياسة العصا الأمريكية والجزرة واحدة من أدوات الترغيب والترهيب التي جعلت ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يهرول مرتبكاً إلى البيت الأبيض لتأكيد الصفقة الموقعة التي ارتفعت من 600 مليار دولار إلى تريليون دولار.

وهم القوة
مهما قدّمت أمريكا من أسلحة حديثة للسعودية فإنها لن تصل إلى درجة التفوق التي تجعلها قادرة على حماية نفسها، وقد أثبتت التجارب السابقة فشل أنظمة الدفاع الجوي الأمريكي من بطاريات "ثاد" و"باتريوت" أمام الصواريخ والمسيرات اليمنية التي نجحت في إصابة أهداف حساسة في العمق السعودي.
وبهذا تبيع أمريكا الوهم للسعودية وليس القوة التي تجعلها تتفوق على كيان الاحتلال الصهيوني الذي يرى في التطبيع مع السعودية مقابل إقامة دولة فلسطينية أشبه بنكتة سمجة يرد عليها قادته بمهاجمة النظام السعودي علنًا. ومن ذلك ما قاله رئيس حكومة العدو نتنياهو في رده على حل الدولتين الذي قدّمته السعودية بقوله: على السعودية أن تمنح الفلسطينيين أرضًا لديها لإقامة دولة كونها تملك مساحة واسعة.
إلى جانب ذلك، تصريح سموتريتش الذي رد على طلب إقامة دولة فلسطينية المقدم من السعودية مقابل التطبيع بقوله : "شكرًا، لا نريد التطبيع، استمروا في ركوب الخيل". هذه التصريحات ليست زلة لسان بل انعكاس لأهداف المشروع الصهيوني الذي لا يرى في فلسطين سوى بداية لتوسيع سيطرته واحتلاله لأجزاء واسعة من الدول العربية حتى يصل إلى تحقيق الهدف في تمدد ما يسمى بـ"إسرائيل الكبرى" من الفرات إلى النيل وحتى شمال السعودية.
وعلى هذا يمكن القياس بأن الصهيونية التي تتحكم بقرار البيت الأبيض لم ولن تسمح للعرب أن يتفوقوا عليها في التسليح حتى وإن طبعوا معها. وما حصل من تعثر صفقة طائرات "إف-35" التي كانت مقرّة للإمارات خير مثال ودليل على أن الرياض لن تحصل على تقنيات حديثة من السلاح الأمريكي حتى وإن لم يكن فيه ضرر على كيان العدو.

تقييمات
(0)

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا