كتابات | آراء

النظام السعودي وأوهام الأفاعي 1-2

النظام السعودي وأوهام الأفاعي 1-2

ما يحدث من عدوان بربري وهمجي منذ عشرة أعوام وستة أشهر على اليمن وشعبه العظيم من قبل النظام السعودي وحلفائه في الشر برعاية أمريكية ليس إلا انعكاسا لخطط واستراتيجيات قديمة هدفها احتلال اليمن وضمه إلى ما يعرف اليوم بالمملكة العربية السعودية ،

وهذه حقيقة قد لا يعرفها الجيل الجديد لأنه لا يهتم بالتاريخ أصلا حتى لو كان يحمل هذا الجيل أعلى الشهادات العلمية فمعلوماته تنحصر فقط في إطار ما تعلمه من المنهج الدراسي وعليه فقد استحسنت أن أركز في هذا الجزء من المقال وكذلك في الجزء الثاني على حساسية العلاقات اليمنية السعودية خلال ما يقارب القرن وكيف كانت تسير، فعلى مدى أكثر من تسعة عقود هي عمر هذه المملكة التي أسستها بريطانيا وجعلت على رأسها عبدالعزيز ابن عبدالرحمن آل سعود ملكا عليها في 23 سبتمبر عام 1932م والعلاقات اليمنية - السعودية تمر بمراحل مضطربة اتسمت بالعنف والشك أحيانا والمهادنة أحيانا أخرى فقد كان يغلب عليها في المرحلة الأولى طابع الحساسية المذهبية حيث كان المذهب الوهابي يعتبر ما سواه من المذاهب الدينية خارج عن تعاليم الدين الإسلامي الصحيح ، ثم انتقلت هذه العلاقة المضطربة في المرحلة الثانية إلى حساسية حدودية بعد معاهدة الطائف التي عقدت بين الامام يحيى حميد الدين ملك اليمن آنذاك والملك عبدالعزيز آل سعود في عام 1934 م .
أما في مرحلتها الثالثة التي بدأت بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990 م فقد غلبت عليها الحساسية الوحدوية وإذا ما عدنا قليلا إلى الوراء سنجد أنه بعد احتلال الملك عبدالعزيز لجبل شمر والحجاز بدأ يولي اهتماما متزايدا نحو جيرانه في جنوب شبه الجزيرة العربية وذلك عندما كان محاطا بفئة كبيرة من ذوي النفوذ داخل منطقة نجد وخارجها والذين كانوا يرون أن ضم اليمن إلى البلاد التي يحكمها الملك عبدالعزيز أمر منطقي ومرغوب فيه وقد ظل عبدالله (جون فيلبي ) المستشرق البريطاني الذي أصبح بعد إعلان إسلامه المشكوك فيه من أكبر مستشاري الملك عبدالعزيز قبل الحرب اليمنية - السعودية عام 1934 م يكتب مقالات يلمح فيها إلى أن على الملك عبدالعزيز ضم بلاد اليمن إلى بلاده بل أنه قال بكل صراحة في أحد مقالاته بأنه يود أن يرى جلالة الملك عبدالعزيز وقد لبس التاج المثلث لمكة المكرمة والرياض وصنعاء .
وقد أنضم لتحريض الملك عبدالعزيز على ضم اليمن المؤرخ المشهور أمين الريحاني الذي ذهب بنفسه إلى نجد بعد ضم ابن سعود جبل شمر والحجاز عن طريق الغزو لتهنئة الملك عبدالعزيز على ذلك النجاح وقد عبر أمين الريحاني عن أمله القوي في أن تكون زيارته الثانية لتهنئة الملك عبدالعزيز على انتصار جديد في عدن ، ورغم تحريض القوى المتنفذة في منطقة نجد وخارجها للملك عبدالعزيز لضم اليمن إلى مملكته إلا أنه رفض وقال لهم : إن اليمن ليس لي لكن هذا الرفض لم يثني أولئك المتنفذين حول الملك عبدالعزيز من إقناعه بضرورة احتلال الأجزاء القريبة من اليمن وضمها إلى مملكته بالقوة مثل جيزان ونجران وعسير وملحقاتها التي كانت تحت حكم الآدارسة ولم يعترف لهم الإمام يحيى حميد الدين بذلك معتبرا أنها يمنية ويجب أن تعود إلى اليمن .
ويروى عن الملك عبدالعزيز أنه رأى حلما قصه على المقربين منه قائلا : (حلمت كأنني في غرفة في بيت قديم مهجور وكانت الغرفة حالكة الظلام لا يرى فيها بصيص من نور وفجأة لاح لي في زاوية من زواياها شبح على شكل أفعى تتلوى وتتلمظ متحفزة للانقضاض علي ثم انكشف فكاها عن نابين كأنهما خنجران يقطران سما فانتابني منهما ذعر بأنهما سيلدغاني في أية لحظة ويفرغان سمهما في دمي فهجمت على الأفعى كلمح البرق وأمسكت بها من عنقها وضغطت بأصابعي عليها بشدة حتى تغلبت عليها وفي تلك اللحظة استيقظت وأدركت أن الخطر الذي كان قد أحدق بي هو مجرد حلم فحمدت الله على السلامة) والمغزى من قصة هذا الحلم معروف وقد ترجمه الملك عبدالعزيز عمليا عندما نشبت حرب 1934 م بين اليمن والسعودية مستغلا تحالفه مع الإدريسي بحجة حمايته حيث أمسك الملك عبدالعزيز بالأفعى وأقتطع من الأراضي اليمنية عسير ونجران وجيزان وضمها بالقوة إلى مملكته وفسر الحلم بالطريقة التي ارادها .
وبعد الاحتلال السعودي للأراضي اليمنية دخلت العلاقات بين البلدين مرحلتها الثانية وهي مرحلة التفاوض على الحدود التي نتج عنها توقيع ما عرف بمعاهدة الطائف المجحفة بالحقوق التاريخية والقانونية لليمن وإن كانت لم تفرط في الأرض اليمنية فقد تم الاتفاق على أن تجدد كل عشرين عاما وشكلت بعدها العديد من اللجان لبحث مضمون معاهدة الطائف وترسيم ما تبق من الحدود إلا أن تلك اللجان لم تنجح في كل المهمات التي أسندت إليها وذلك لغياب حسن النية من قبل الطرف السعودي ، أما من بعد قيام الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990 م وهو التاريخ الذي استطاع فيه اليمنيون أن يحققوا استعادة وحدة الأرض اليمنية التي كان يتكون منها شطري اليمن أرضا وإنسانا فقد دخلت العلاقات اليمنية-السعودية مرحلة أخرى تخطت الحساسية المذهبية والحساسية الحدودية إلى حساسية الوحدة اليمنية التي ينظر إليها نظام آل سعود بريبة وشك رغم تظاهره بمباركة تحقيق وحدة اليمن من خلال البيان المشترك الذي صدر من حفر الباطن قبل فترة قصيرة من تحقيق الوحدة بعد لقاء الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح بالملك الراحل فهد ابن عبدالعزيز الذي وصف حينها الوحدة اليمنية بأنها وحدة بين أبناء شعب واحد ، لكن الحقيقة أن الوحدة اليمنية قد مثلت بمحتواها الديمقراطي والتعددية السياسية والصحافية عاملا مقلقا لنظام آل سعود وهذا ما أفصحت عنه تصرفات القيادة السعودية إزاء اليمن فاتخذت قرارها بقتل الوحدة اليمنية بأي ثمن وهو ما سنتحدث عنه في الجزء الثاني من هذا المقال .

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا