كتابات | آراء

العصفور .. أستاذ وكاتب لا يتكرر

العصفور .. أستاذ وكاتب لا يتكرر

جمع بين المهارة والأخلاق والتواضع الجم، خدم وطنه وشعبه بإخلاص طيلة عقود من الزمن. عرفه الجميع ذلك الرجل العصامي الذي قضى جل وقته في خدمة الناس، لا يريد منهم جزاءً ولا شكورًا. إنه الأستاذ والكاتب عبدالقوي العصفور، الذي تتلمذ على يديه الكثير من الكتاب والمحررين،

فكان رحمه الله مرجعية لكل من قصده طالبًا الاستشارة أو العون في إنجاز أي عمل، سواء على المستوى الإعلامي أو الشخصي.
الشهيد العصفور، ببساطته وحكمته ونبل أخلاقه، مثّل أحد ركائز العمل الإداري والإعلامي. فعلى الرغم من طبيعة عمله التي جعلت الكثير يترددون عليه في الأعمال المتعلقة بالجانب الإداري الخدمي، إلا أنه كان حاضرًا بعقله وقلبه وقلمه في نصرة الحق والاهتمام بقضايا الوطن والأمة العربية والإسلامية.
ينتمي الشهيد عبدالقوي العصفور، مولدا ونشأة إلى مديرية سامع بمحافظة تعز، وهو أحد خريجي جامعة صنعاء - كلية الإعلام، الدفعة الأولى وإلى جانب عمله الصحفي كان الأستاذ والمستشار الذي نلجأ إليه، خاصة في إعداد الخطط الشاملة المتعلقة بجوهر العمل الإعلامي بشكل عام وسندا وعونا ومعلما ومرشدا للكثير من الإعلاميين والطلبة والباحثين من الجامعات اليمنية، الذين كانوا يزورون صحيفة "26 سبتمبر" للاطلاع على مختلف المهام والأعمال الصحفية بهدف تعزيز معارفهم والاستفادة منها في إنجاز الدراسات والأبحاث. فكنا في أغلب الأوقات نحيل الباحثين إليه ليجيب عن استفساراتهم ويزودهم بما يحتاجونه.
تميز الشهيد العصفور بمكارم الأخلاق والسجايا والصفات الحميدة التي جعلته محبوبًا لدى الجميع. عمل بصمت طيلة عقود مضت، وكتب الكثير من التحليلات السياسية التي نشرتها صحيفة "26 سبتمبر". وخلال العامين الماضيين، على سبيل المثال، كانت كتاباته وتحليلاته مكرسة حول عمليات المقاومة الفلسطينية ودورها في قطاع غزة، وعن مظلومية الشعب الفلسطيني وبشاعة جرائم الاحتلال ومخططات الصهيونية وخطرها على العرب جميعًا.
كان كاتبًا ومحللًا سياسيًا بارعًا، واسع الاطلاع، عميق الفهم والإدراك، يهتم بالقضايا السياسية الاستراتيجية ذات البعد الوطني والقومي، ويكتب عنها بتجرد وموضوعية بشكل يعكس ثقافته الواسعة وانتماءه الأصيل لشعبه، وحبه لوطنه، ومبادئه في الدفاع عن قيم الحرية والعدالة ومواجهة الظلم والطغيان.
وعلى الرغم من الظروف المعيشية القاسية التي كان يواجهها، فقد عرف بعفة النفس والعصامية ، ولم يتقدم لرؤسائه يومًا بأي شكل من الأشكال بطلب الحصول على مكافأة مادية نظير جهده وإسهامه في الكتابة والتحليل أو العمل الإداري الإضافي. بل ظل يعمل بجد واجتهاد وإخلاص ووفاء، وفوق كل هذا، يبادر لمد يد العون وخدمة زملائه بما يستطيع، حتى وإن كان ذلك معنويًا.
الحديث عن قامة وطنية وإعلامية بحجم عبدالقوي العصفور يحتاج إلى كتاب حتى نفي الرجل حقه، فهو بحق أستاذ ومستشار في مجال الصحافة والإعلام والسياسة معًا.
في عصر يوم الأربعاء الدامي، العاشر من سبتمبر 2025م، ارتقى الأستاذ والكاتب عبدالقوي العصفور شهيدا مضمخا بدمائه الزكية، مع كوكبة من الصحفيين والإعلاميين، إثر العدوان الصهيوني الوحشي السافر الذي طال مقر صحيفتي "26 سبتمبر" و"اليمن" بعدد من الغارات الجوية التي حولته إلى أثر بعد عين، في سابقة خطيرة في تاريخ الصحافة على مستوى الشرق الأوسط، بل والعالم.
سنظل نستذكر سيرة وعطاء هذا الكاتب المخضرم، الذي ترك بصمات واضحة في تاريخ الإعلام اليمني، بما خطه بقلمه، وبما خلفه من إرث ثقافي واسع ينهل منه الباحثون والمهتمون بالكتابة والتحليل السياسي العميق حول مختلف القضايا المحلية والإقليمية والدولية، وعلى وجه الخصوص القضية الفلسطينية، التي كتب عنها وواكب كل الأحداث والتطورات المتعلقة بها، خاصة عقب عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني في السابع من أكتوبر من العام 2023م.
رحم الله الشهيد عبدالقوي العصفور وشهداء الكلمة والموقف، الذين ارتقوا وهم في محراب صحيفتي "26 سبتمبر" و"اليمن"، يناصرون الحق ويدافعون عن قضايا الوطن والأمة بأقلامهم الحرة، لينيروا دروب الحياة أمام ظلام وإرهاب العدو الصهيوني، الذي استباح حرمة الدماء وانتهك قوانين الأرض والسماء.

*نقلاً عن صحيفة اليمن

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا