كتابات | آراء

غزة تحت الانتداب الأمريكي رسمياً

غزة تحت الانتداب الأمريكي رسمياً

خلال العقود الماضية ظلت الشعوب العربية والإسلامية تلعن عصبة الأمم ووعد بلفور واتفاقية سايكس بيكو التي مزقت الأمة، وأخذت منها فلسطين بالقوة، وأوجدت لها غدة سرطانية في المنطقة، والحقيقة أن من يستحق اللعنة والنقمة والطرد من رحمة الله هي الأنظمة العربية والإسلامية،

ففلسطين سقطت بالخيانة ولم تسقط بالقوة، والكيان الصهيوني نشأ بموافقة عربية إسلامية ولم ينشأ بإرادة غربية صهيونية منفردة، هذا ما كشفته الوثائق التاريخية، وهذا ما يؤكده اليوم موقف الأنظمة العربية والإسلامية من القرار الأمريكي الصادر عن مجلس الأمن حول غزة، ففيما روسيا الاشتراكية والصين الشيوعية عارضتا القرار الأمريكي بقوة، وحاولتا إسقاطه بكافة الوسائل الممكنة، لخطورته على الشعب الفلسطيني وغيره من الشعوب في المنطقة، وافقت الأنظمة العربية المسلمة الحاكمة لهذه الشعوب على هذا القرار الأمريكي الخطير بالإجماع، ومنحت مجلس الأمن الضوء الأخضر لإقراره وإصباغه بالشرعية الدولية.
والحقيقة أن هذا القرار الأمريكي الذي صادق عليه مجلس الأمن اعتراف دولي بالانتداب الأمريكي على قطاع غزة، ومنح الإدارة الأمريكية كافة الصلاحيات اللازمة للقضاء على المقاومة، وسحب سلاحها بالقوة، وتصفية القضية الفلسطينية بصورة نهائية، هذا القرار صادر حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وقضى تماما على ما يسمى بحل الدولتين، وحرم كافة الفلسطيين من إدارة شؤونهم، ولا شك أن هذا القرار نكبة تاريخية جديدة للشعب الفلسطيني تتجاوز كافة نكباته السابقة، لأنه يضع الشعب الفلسطيني هذه المرة في مواجهة العالم بأسره إن هو طالب بحقوقه المشروعه، ورفض تسليم سلاحه، أو الهجرة من بلده، هذا القرار لم ينص صراحة على مغادرة الاحتلال الصهيوني من غزة، أو إعادة أعمارها، أو فتح المعابر لإدخال المساعدات إليها، هذا القرار ينص على مجلس سلام بحسب التوصيف الأمريكي، يرأسه ترمب وعضوية بلير وكشنر وغيرهما من الصهاينة، بصلاحيات غير معروفة، ولمدة زمنية قابلة للتمديد كل سنتين من المجلس نفسه، وبقوات عسكرية دولية، تحددها الإدارة الأمريكية، مهمتها ضبط الحدود لتأمين الكيان الغاصب وإغلاق المعابر على القطاع، وتفكيك بنية المقاومة ونزع سلاحها، والتنسيق مع القوات الصهيونية لإبادة الشعب الفلسطيني وخنقه وحصاره وتجويعه وتهجيره من أرضه، هذا ما ظهر حتى الآن والكثير من بنود هذا القرار الأمريكي لا تزال غامضة، لم يتم الإفصاح عنها أو السماح لمحرك البحث قوقل بنشرها، الغريب في الموضوع هو تساؤل القنوات العبرية الناطقة بالعربية من الرياض وأبوظبي والدوحة عن سر امتناع الصين وروسيا من التصويت على هذا القرار، وغضب مندوبيهما أثناء المناقشة، ولم تتساءل عن سر موافقة الأنظمة العربية والإسلامية على هذا القرار بالإجماع، وسبب ارتياحهم وسعادتهم الغامرة، هذا الموضوع لا يزال غامضا وسيظل غامضا ويحتاج تفسيره ربما إلى عقود قادمة، أما المندوب الصيني فقد برر امتناعه عن التصويت لهذا القرار بأنه يصادر حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وبرر المندوب الروسي امتناعه بأن هذا القرار يلغي حق الشعب الفلسطيني في إدارة نفسه، ولا شك أن سعادة الأنظمة العربية والإسلامية نابعة من سعادة الأمريكان والصهاينة بهذا الإنجاز التاريخي الذي سيحقق لهم بالسياسة ماعجزوا عن تحقيقه بالقوة، وأن إجماعهم على هذا القرار الأمريكي نابع من رغبتهم وإرادتهم الجامعة بالتخلص من القضية الفلسطينية حتى يتمكنوا من إقامة علاقات ودية مع أشقائهم في الليكود والموساد والكنيست.
ولذلك نحن أمام مرحلة تاريخية خطيرة، ستكون لها عواقب وخيمة على كافة الشعوب العربية والإسلامية إن لم تخرج عن صمتها، وتقول كلمتها في مواجهة هؤلاء العملاء والخونة الذين باعوا قضيتها ومقدساتها وشرفها وكرامتها لأقبح مخلوقات في تاريخ البشرية، الأيام القادمة ستكون حاسمة، إما أن تستعيد الشعوب العربية والإسلامية زمام المبادرة، وتخلط الأوراق على الأمريكان والصهاينة وأدواتهم في المنطقة، وتجبرهم على مراجعة حساباتهم الخاطئة قبل فوات الأوان، أو أن تدخل المنطقة في حرب إقليمية طاحنة تكون نتائجها باهظة على الجميع، لن يسلم منها شعب أو نظام أو دولة، ليحيى من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة .

* أمين عام مجلس الشورى

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا