أخبار وتقارير

اليمن حضور قوي في إسناد فلسطين ..

اليمن حضور قوي في إسناد فلسطين ..

بين الفينة والأخرى، تتداول وسائل إعلام عربية ودولية، وأيضًا عبرية، أخبارًا تسبق إعلان القوات المسلحة اليمنية بشأن العمليات التي تطال الاحتلال الصهيوني. ومن تلك العناوين التي يتم نشرها بشكل عاجل: "صاروخ أُطلق من اليمن باتجاه إسرائيل"، وأخرى "رُصد صاروخ أُطلق من اليمن"، وأخرى "طائرات مسيّرة أُطلقت من اليمن باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة".

ناصر الخذري
المهم في هذه العناوين التي تُنشر في أخبار عاجلة منذ ما يقارب العامين، هو تصدّر اليمن للمشهد العربي والإسلامي في نصرة فلسطين، من بين 57 دولة عربية وإسلامية غابت أسماؤها وغاب معها الدعم والإسناد في مرحلة استثنائية تواجه فيها فلسطين والقدس أخطر مؤامرة صهيونية وأمريكية وغربية منذ عام 1948م.
عندما نضع مثل هذه العبارات في هذا التحليل الموجز للحديث حولها، قبل الخوض في تفاصيل تأثير العمليات العسكرية اليمنية على كيان العدو الصهيوني، فإننا نتخيل صدى مثل هذه العبارات وتفاصيل الأخبار والكتابات في عقول ووجدان الأجيال التي ستأتي من بعدنا، وتقرأ ما في بطون الكتب التي وثّقت لأطول معركة بين فلسطين وكيان الاحتلال، ومن وقف إلى جانبها في هذه اللحظة الحرجة من التاريخ.

إسناد قوي
مما قد يخطر على بال الأجيال القادمة هو: كيف أمكن لليمن، الذي يبعد جغرافيًا عن فلسطين مسافة تزيد على 2000 كيلومتر، أن يتصدر مشهد إسناد فلسطين ونصرة غزة المحاصرة من هذه المسافة البعيدة؟ وكيف لدول عربية أخرى لا تفصلها عن فلسطين سوى عشرات الكيلومترات أو بضع مئات، أن تصمت ولم تقم بواجبها الديني والإنساني والأخلاقي تجاه إخوانهم في فلسطين، الذين تجمعهم قبل العروبة والإسلام المقدسات، ومنها المسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى الرسول المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟
أسئلة كثيرة تدور في الوقت الحاضر، وستدور أكثر في المستقبل ولأجيال وأجيال، عن المحنة التي ألمّت بأرض فلسطين، وتخاذلت أمة الملياري مسلم عن نصرتها والوقوف إلى جانبها ضد عدو جبان لا يراعي في المسلمين إلًّا ولا ذمة. سفك دماء الأطفال والنساء والشيوخ... ستزداد الدهشة أكثر عند الجيل القادم عن مأساة المجاعة التي اجتاحت قطاع غزة، واستشهاد وتشريد عشرات الآلاف من منازلهم، ودفن المرضى أحياء، وعن فظاعة المذابح التي طالت الأحياء والأموات، الذين داست عظامهم جنازير دبابات الاحتلال الصهيوني، وأحرق الصهاينة المستشفيات، ولم يسمع أحد لصرخات الأطفال والأمهات: "يا للعار، أين أمة العرب والإسلام؟ لماذا خذلتمونا؟"

فترة الانحطاط
أقل ما يمكن وصف هذه المرحلة العصيبة التي تواجه فيها فلسطين في قطاع غزة هذه المعركة الشرسة التي دمرت كل مظاهر الحياة فيها، بأنها مرحلة انحطاط أخلاقي وإنساني بالدرجة الأولى للعرب والمسلمين، وبقية دول العالم التي تدّعي التحضر. لماذا؟ لأن المذبحة الفظيعة التي ترتكبها العصابات الصهيونية فاقت جرائم النازية بكثير، حتى إن النازية تبدّت إلى جانب هؤلاء القتلة كحمائم سلام. كيف لا، وقد صبّوا الرصاص فوق الفلسطينيين، وأحرقوا النازحين أحياء في المخيمات والمدارس والمشافي، وجرفوا المزارع، وسمّموا المياه، وقطعوها عن سكان غزة، ونسفوا المنازل على رؤوس الساكنين.

شواهد على المذبحة
بعد ما يقارب العامين، تبدو مناطق قطاع غزة كأطلال مهجورة عبث بها القتلة الجبناء من عصابات الهاجاناه والشتيرن، الذين دفعت بهم بريطانيا والمنظمات الصهيونية والوكالة اليهودية إلى أرض فلسطين ليحتلوها ويقتلوا ويشردوا أهلها، بدعم أمريكي وغربي مستمر منذ ما قبل نكبة 1948 وحتى اللحظة التي نكتب فيها هذه السطور، وشعب فلسطين يشهد أسوأ كارثة بحق الإنسانية بسبب هول المجازر والحصار، لتتجلى كذبة ادعاء الغرب احترام الحقوق والحريات، لكنه انكشف وتجرد من كل ما يمتّ للإنسانية بصلة، لأنه إلى جانب صمته، شارك ودعم القتلة الصهاينة بالسلاح والدبلوماسية، التي مثّلت ضوءًا أخضر للمطلوب للجنائية الدولية، رئيس كيان الاحتلال المجرم نتنياهو، الذي يرتكب أفظع مذبحة وتسبب بأسوأ كارثة إنسانية في قطاع غزة المحاصر، الذي تفشت فيه الأمراض واجتاحته المجاعة، بالتزامن مع شن غارات بأفتك الأسلحة الأمريكية، التي تسببت باستشهاد أكثر من 62,686 وإصابة 157,951، بينهم 2,095 شهيدًا من منتظري المساعدات، و289 جراء التجويع.

بطولات خالدة
من أنقاض المباني المهدمة بفعل غارات المحتل الجبان، يباغت أبطال المقاومة الفلسطينية العصابات الصهيونية بكمائن الموت، ورشقات صاروخية، وضربات دقيقة بقذائف الياسين والعبوات الفدائية، التي أفشلت مخططات الاحتلال في السيطرة على قطاع غزة، وألحقت بجحافل العدو خسائر كبيرة في العدة والعتاد، وأصابت ما يقارب ثلث عصاباته بالصدمات النفسية، التي ظهرت نتائجها بصور متعددة، منها ترك الخدمة، وأخرى الإقدام على الانتحار، مما أربك المشهد العام لدى قادة العدو الإسرائيلي وداعميه في البيت الأبيض، الذين سخّروا إمكانات ودعمًا كبيرًا من الأسلحة المحرمة دوليًا، وقدموا الدعم اللوجستي، بل وشاركوا في هذه المذابح الفظيعة التي أزهقت الأرواح، ودمرت الحرث والنسل في أرض فلسطين، بشكل يشبه ما حصل في هيروشيما وناجازاكي إبان الحرب العالمية الثانية، التي استهدفتهما أمريكا بالقنابل الذرية، وبشكل مشابه قامت الصهيونية بالتدمير الشامل لقطاع غزة، ولكن على مراحل. الفرق بين الصورتين هو أن الأولى حدثت في وقت واحد، والثانية على مدار ما يقارب العامين.

موقف اليمن
في خضم معركة "طوفان الأقصى" التي أشعلت فتيل الثورة ضد المحتل في السابع من أكتوبر من العام 2023م، كان اليمن ولا يزال السند القوي بحضوره الفاعل شعبيًا في عشرات، بل مئات الساحات التي تموج بالملايين كل أسبوع ، تضامنًا مع فلسطين وتنديدًا بجرائم الاحتلال ضد الفلسطينيين في غزة. وإلى جانب الموقف الشعبي المساند لفلسطين، برزت القوات المسلحة اليمنية بموقفها الأكثر قوة وردعًا للعدو الأمريكي والصهيوني، من خلال تنفيذ العمليات العسكرية النوعية المتوالية التي طالت عمق المناطق الفلسطينية المحتلة، وأثرت بشكل مباشر على مواقع عسكرية حساسة للاحتلال، وتسببت له بخسائر فادحة، بعد أن بات المجال الجوي في المناطق المحتلة يُغلق بصورة شبه مستمرة، بسبب صواريخ اليمن الفرط صوتية مثل "فلسطين 2"، وطائرات "يافا" المسيّرة، وصواريخ باليستية أخرى مثل "ذو الفقار"، وطائرات "صماد"، وغيرها من الأسلحة التي كان لها الأثر الفاعل في التصدي والمواجهة للعدو الأخطر للعرب والمسلمين جميعًا: الصهيونية.
وفي موازاة الضربات الجوية، يتم استهداف أي سفينة تحاول خرق قرار حظر الملاحة الصهيونية في المسطحات المائية، ابتداءً من المحيط الهندي، ومرورًا بمياه البحرين العربي والأحمر وخليج عدن وباب المندب، وحتى البحر الأبيض المتوسط، مما شدد الحصار البحري على الاحتلال، وكبّده خسائر كبيرة، خاصة بعد أن خرج ميناء "أم الرشراش" عن الخدمة تمامًا، بفعل إغلاق اليمن لمضيق باب المندب خلال خوض غمار معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس إسنادًا لفلسطين.
وفي مسار ثالث موازٍ أيضًا لنصر غزة بحرًا وجوًّا، استطاع اليمن، بما وصل إليه من امتلاك أسلحة حديثة طُوّرت وصُنعت محليًا، أن يدافع عن السيادة الوطنية، ليسجل بهذا الحضور اللافت موقفًا تاريخيًا غير مسبوق في مواجهة أعتى عدوان وتحالف ضد اليمن، كان على رأسه الولايات المتحدة التي حرّكت حاملات طائراتها إلى منطقة البحر الأحمر، وحشدت قوى من دول تحالفت معها بهدف الحد من العمليات العسكرية اليمنية المساندة لفلسطين.
لكن الفشل الذريع كان في انتظار حاملات الطائرات، بعد توالي ضربات القوة الصاروخية اليمنية والطائرات المسيّرة على حاملات الطائرات الأمريكية، التي أُجبرت على المغادرة بعد أن واجهت خسائر كبيرة، وفقدت هيبتها وسمعة قوات المارينز الأمريكي، إثر مواجهة غير محسوبة غامرت فيها واشنطن في اليمن.
وبعد أكثر من 22 شهرًا من المعركة المفتوحة جوًّا وبحرًا مع الاحتلال الصهيوني، لا يزال اليمن حاضرًا بكل قوة وعنفوان في تنفيذ العمليات العسكرية النوعية الدقيقة التي تطال العدو وتقلق أمنه واستقراره، مما جعل ملايين المستوطنين يعلنون عن شعورهم بالخطر الوجودي الذي ينذر بزوال الكيان الصهيوني الملفق، الذي لا يقوى على المواجهة لولا الدعم الأمريكي والغربي المستمر.
وفي ظل هذه الأحداث، واستمرار الاحتلال الصهيوني في فرض مشروعه الهادف إلى إنشاء ما يُسمى بـ"إسرائيل الكبرى"، تبقى المقاومة الفلسطينية رأس الحربة في وجه الصهيونية والإمبريالية الأمريكية، وإلى جانبها اليمن في إفشال المشروع الصهيوني، بالمقاومة والضربات الصاروخية التي تطال المحتل من يمن الإيمان والحكمة، بشكل جعله يعيش حالة من اللاوعي والقلق الوجودي الدائم.
وهذا ما جعل اليمن وفلسطين يرسمان مسارًا جديدًا في تاريخ الأمة العربية والإسلامية، بهذا العنفوان والصمود الذي أعاد إلى الأذهان بأس وقوة اليمنيين وشعب فلسطين أمام الغزاة على مرّ التاريخ.
ويكفي اليمن، في الوقت الحاضر وفي المستقبل، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، هذا الموقف المشرّف في نصرة مظلومية الشعب الفلسطيني، بكل ما يملك من قدرات عسكرية سخّرها لنصرة قضية العرب المركزية: فلسطين.
بصواريخ "فلسطين 2" وطائرات "يافا" التي حملت اسم فلسطين ويافا المحتلة، كرمز من الرموز التاريخية، بشكل جمع بين هوية فلسطين وقوة اليمن وبأسه في آنٍ واحد.

45 عملية نوعية
تتواصل عمليات إسناد المقاومة الفلسطينية بضربات دقيقة، تستهدف من خلالها قواتنا المسلحة أهدافًا هامة للاحتلال الصهيوني في عدد من المناطق الفلسطينية المحتلة، مثل يافا ومطار اللد وميناء أم الرشراش وبئر السبع وغيرها، بالإضافة إلى تشديد الحصار البحري، واستهداف أي سفينة تحاول اختراق قرار الحظر المفروض في البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب على كيان الاحتلال الصهيوني.
وخلال شهر صفر من العام الجاري 1447 هـ، بلغ عدد العمليات التي نفذتها قواتنا المسلحة ضد أهداف تابعة للعدو الصهيوني 45 عملية، تنوّعت بين استهداف للسفن المخالفة، وبين دكّ أهداف تابعة للعدو في عدد من المناطق الفلسطينية المحتلة.

استهداف اللد ويافا وعسقلان
أكدت القوات المسلحة في بيان لها يوم الجمعة، 22 أغسطس الجاري، تنفيذ ثلاث عمليات نوعية، استهدفت من خلالها القوة الصاروخية والطيران المسيّر مطار اللد ويافا وعسقلان المحتلة، بصاروخ "فلسطين 2" وطائرتين مسيرتين من طراز "يافا"، وقد حققت العمليات إصابة أهدافها بنجاح.

فشل استراتيجي
استمرار العمليات العسكرية اليمنية ضد الاحتلال الصهيوني لما يقارب العامين، أثبت مستوى الفشل الاستراتيجي لجيش العدو، بعد اختراق صواريخ وطائرات قواتنا المسلحة لطبقات الدفاع الجوي الصهيوني متعددة الطبقات، مما جعل العدو في ورطة كبيرة أمام هذه الثغرة، التي جعلت ملايين المستوطنين يستشعرون القلق الوجودي، خاصة بعد عدم جدوى الحد من العمليات العسكرية اليمنية، رغم كثافة الغارات التي نفذتها أمريكا وإسرائيل وبريطانيا أيضًا.

صواريخ متعددة الرؤوس
أحدث الصاروخ الذي أطلقته القوة الصاروخية الجمعة الماضية ضد أهداف تابعة للعدو في منطقة اللد المحتلة رعبًا كبيرًا في نفوس قادة العدو والمستوطنين، حيث أُصيب عدد منهم في هذه الضربة النوعية التي أضفت على المشهد تغيّرات هامة، منها نوعية الصاروخ المتعدد الرؤوس، الذي أحدث انفجارًا هائلًا، وفشلت منظومة دفاع العدو الجوية في اعتراضه، مما جعل قادة العدو يحققون مجددًا في هذا الفشل.
وفي هذا السياق، أشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أن الجيش الإسرائيلي يحقق في أسباب فشل اعتراض الصاروخ الذي أُطلق من اليمن، وأوضحت الصحيفة أن سلاح الجو الإسرائيلي يفحص ما إذا كان الصاروخ اليمني يحتوي على "مكونات عنقودية" تنتشر في مساحة واسعة عند الانفجار.

القادم أعظم
على الرغم من طول أمد المواجهة والتصدي للاحتلال الصهيوني، فإن القوات المسلحة اليمنية استخدمت استراتيجية عسكرية دقيقة، من حيث التدرّج في عمليات التصعيد، التي تختلف كل مرحلة منها عن المرحلة التي تليها، وقد وصلت إلى خمس مراحل، بما فيها المرحلة الرابعة من التصعيد البحري، التي أضافت بعدًا عسكريًا حيويًا هامًا في مدى قدرة القوات المسلحة اليمنية على خوض حرب استنزاف واسعة النطاق في البحر والجو ضد الاحتلال الصهيوني المدعوم من قبل واشنطن، التي تمدّه بأحدث أنواع الأسلحة، بل وتشاركه في تنفيذ عدوانه على اليمن وفلسطين، وبقية الدول العربية والإسلامية.
وضمن استراتيجية القوات المسلحة اليمنية فإن القادم سيكون أعظم وأشد فتكًا بالمحتل الجبان، فلا يزال في جعبة اليمن الكثير والكثير من المفاجآت التي لا يتوقعها، ولديه تجارب تؤكد أن قادة اليمن إذا قالوا فعلوا، وقادم الأيام حبلى بالكثير من المفاجآت، من حيث نوعية الصواريخ التي سيتم استخدامها، وقدرتها التدميرية، ومدياتها البعيدة.
وهذا ما نستشفه ونتوقعه من خلال قراءاتنا للتطورات المتسارعة التي تشهدها مختلف صنوف القوات المسلحة اليمنية البرية والبحرية والجوية، خاصة في مجال صناعة وتطوير أجيال مختلفة من الصواريخ الفرط صوتية، والباليستية، والطائرات المسيّرة.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا