ثورة 21 سبتمبر.. إعصار أسقط الاستعمار الجديد وغيَّر معادلة المنطقة
لطالما سعت قوى الاستعمار الغربي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، إلى إعادة صياغة خريطة الشرق الأوسط بما يخدم مصالحها وهيمنتها، فلم تعد الجيوش الضخمة والاحتلال المباشر أدواتها الرئيسية،
بل استبدلتها بوسائل أكثر دهاء وتغلغلاً في الداخل لها ارتباطات بأجهزة الاستخبارات الأمريكية والصهيونية والأوروبية والتي عملت على رسم سيناريوهات طويلة الأمد للسيطرة على المنطقة تحت شعارات خادعة مثل "النظام العالمي الجديد".
وكان الهدف هو صناعة استعمار جديد بوجوه محلية، حيث يتحول حكام المنطقة إلى أدوات وظيفية، يحرسون مصالح الغرب وينفذون أجنداته عبر الحروب بالوكالة والتحالفات المشبوهة.. وقد ساعد في تمهيد الطريق لهذا المشروع مغامرات بعض الأنظمة، ومن ذلك استدعاء القوات الأمريكية إلى الخليج في تسعينيات القرن الماضي، مما فتح الباب رسميًا لتغلغل الاستعمار الجديد في قلب الجزيرة العربية.
غير أن اليمن كان على موعد مع محطة فارقة في 21 سبتمبر 2014م، فجاءت هذه الثورة لتشكل صفعة مدوية على وجه المخطط الغربي، ولتطيح بعملاء الداخل الذين رهنوا قرار اليمن للخارج.. كما لم تكن الثورة مجرد حدث داخلي، بل كانت نقطة تحول استراتيجية أفسدت جهود عقود كاملة من التخطيط الاستعماري.. فمنذ لحظة انطلاقها، قلبت المعادلة، وأعلنت أن اليمن لن يكون تابعاً ولا أداة في مشروع الهيمنة الأجنبية.
أدرك الغرب أن اليمن بموقعه الاستراتيجي وبأس إنسانه إذا تحرر فسيكون القلعة التي تتحطم عندها مشاريعهم، لذلك لم يكن الغزو المباشر خياراً مطروحاً، لعلمهم بتاريخ المقاومة اليمنية الشرسة، وخشيتهم من خسائر عسكرية وسياسية فادحة.
وهنا جاء الرهان على أدواتهم الإقليمية: محمد بن سلمان بطموحه الطفولي الأعمى، ومحمد بن زايد بمكره وخبثه السياسي.. وأقنعوهم أن حرب اليمن لن تتجاوز أسابيع قليلة، وأن النصر سيكون مضمونا، فإذا بها تتحول إلى أطول وأعنف حرب عدوانية في المنطقة.
ومع مرور عشر سنوات من العدوان والحصار، تكشفت الحقائق، فقد أثبتت ثورة 21 سبتمبر أنها لم تحم اليمن فقط من السقوط في مستنقع التطبيع والخيانة، بل جعلته حاضراً وبقوة في معادلة الصراع مع الكيان الصهيوني، ولولا هذه الثورة المباركة وقيادتها الحكيمة، لكان اليمن اليوم شأنه شأن بعض الأنظمة العربية التي ارتمت في أحضان التطبيع، وباعت ما تبقى من كرامتها تحت مسمى "السلام" لكن إرادة الله شاءت غير ذلك. أصبح اليمن اليوم منارة للأمة، وقبلة لكل الأحرار، وظهر اسم أنصار الله كهاجس يقض مضاجع الصهاينة والمستكبرين، فوقفت صنعاء إلى جانب غزة حين تخلى عنها المطبعون، وقدمت نصرة عملية لقضية الأمة المركزية في زمن عزت فيه المواقف الصادقة.
فلم يكتفوا بالعدوان والحصار الذي قاموا به عبر أدواتهم في الرياض وأبوظبي، بل شكلوا تحالف شر بقيادة أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني لشن عدوان كوني جديد على اليمن، عقابا لشعب قال كلمة "كفى" في وجه الاستعمار.
إن ثورة 21 سبتمبر ليست ذكرى وطنية عابرة، بل محطة تاريخية أعادت رسم المشهد في المنطقة، إنها ثورة أسقطت أخطر مشروع استعماري للغرب، ورسخت معادلة جديدة للصمود والممانعة، وأثبتت أن الشعوب حين تمتلك قيادة صادقة وإرادة حرة قادرة على هزيمة أعتى القوى، مهما طال أمد العدوان وكبر حجم المؤامرة.
كما أن 21 سبتمبر لم يكن مجرد يوم في تاريخ اليمن، بل كان يوماً ولدت فيه أمجاد جديدة، يوما أعلن فيه اليمن للعالم أنه سيبقى حرًا أبيًا، وأنه سيظل شوكة في حلق الطغاة والمستكبرين، حتى يتحقق النصر الكامل للأمة وقضاياها العادلة.





